بقلم /محسن هاشم
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الاميركية اليوم الجمعة مقالا بقلم رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ايهود اولمرت (الذي تولى رئاسة الحكومة الاسرائيلية من العام 2006 الى العام 2009) وصف فيه شراكة اسرائيل مع الولايات المتحدة بأنها احد اعظم اصولها الاستراتيجية. فالولايات المتحدة تورد لاسرائيل معونات حاسمة امنيا واقتصاديا ودعما سياسيا يصعب تقديره على الساحة الدولية.
ويقول اولمرت في مقاله: "ووسط التقارب المشروع الذي بدأه الرئيس الاميركي اوباما مع العالم العربي والاسلامي، فان من المهم ان ننحو تجاه سوء تقدير طبيعة العلاقات الاميركية المتعددة المناحي مع اسرائيل، التي يصفها اولمرت بانها الدولة الديمقراطية الشرق اوسطية الحقيقية الوحيدة التي تقوم مبادئ تأسيسها على قيم الغرب من الحرية والتحرر للجميع".
ويقول ايضا انه "خلال فترة ولاية رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ارييل شارون وولاية حكومتي فيما بعد، قمنا بالمشاركة مع الرئيس الاميركي السابق جورج بوش بتعزيز العلاقات الاميركية الاسرائيلية على جميع المستويات وبشأن معظم القضايا. وقد اقيم هذا التقدم على اساس من التفاهم العميق والصادق المكتوب والشفوي".
"وخلال الانتفاضة الثانية، قدمت امريكا دعما غير مسبوق للنضال الاسرائيلي ضد الارهاب الفلسطيني ولقيام اسرائيل ببناء الحاجز الامني. كما اننا وضعنا تصورنا معا "لحل الدولتين" باعتباره الطريقة الوحيدة لانهاء الصراع بقبول وتنفيذ "خارطة الطريق" وتوابعها.
"وأقر الكونغرس الاميركي باغلبية ساحقة رسالة الرئيس بوش للعام 2004 التي شرح فيها حق اسرائيل في الدفاع عن النفس بقوتها الذاتية ضد اي تهديد، والتي اعترف فيها بالحقائق الجديدة على الارض من حيث ان مراكز سكنى اليهود في الضفة الغربية ستكون جزءا لا يتجزأ من دولة اسرائيل في اي اتفاقية للوضع النهائي في المستقبل. كما اعترفت اميركا بان الدولة الفلسطينية المستقبلية ستمثل حلا للاجئين الفلسطينيين من حيث اعادة توطينهم فيها وليس في اسرائيل.
"وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2007 التقت السلطة الفلسطينية وادارة بوش واسرائيل في أنابوليس حول هدف موحد لحل كل القضايا المعلقة. وقد وفر لقاء أنابوليس اطار عمل لمفاوضت مباشرة بين اسرائيل والفلسطينيين تنحو تجاه التوصل الى نهاية للصراع ولكل الادعاءات.
"اما اليوم، فانه بدلا من المسيرة السياسية، فان قضية الانشاءات الاستيطانية تتصدر جدول الاعمال بين الولايات المتحدة واسرائيل. وهذا خطأ بحد ذاته اذ انه لا يخدم المسيرة مع الفلسطينيين ولا العلاقات بين اسرائيل والعالم العربي. بل اكثر من ذلك، تكمن فيه احتمالات اصابة العلاقات الاميركية الاسرائيلية بهزة كبيرة.
"فقضية المستوطنات معروفة بانها مثيرة للنزاع بين اسرائيل والولايات المتحدة، اذ رغم ان امريكا لم تؤيد انشاءها، الا انها في بعض المناسبات اعترفت بالحقائق التي نمت على مدى 40 عاما.
"لقد توصل شارون الى تفاهم مع الولايات المتحدة بشأن نمو وبناء المستوطنات كجزء من خارطة الطريق. واشتملت التفاهمات على النقاط التالية:
- عدم بناء مستوطنات جديدة.
- عدم تخصيص او مصادرة اراض جديدة للانشاءات الاستيطانية.
- تظل اي انشاءات في المستوطنات ضمن حدود البناء الحالية.
- لا تخصص اي اموال للحوافز الاقتصادية التي تدعو الى نمو المستوطنات.
- تفكك العشوائيات غير المسموح بها التي اقيمت بعد آذار (مارس) 2001 (وهو التزام لم تلتزم به اسرائيل للاسف بعد).
"وضعت هذه التفاهمات اساس العمل، وتوازنا صحيحا، في رأيي، للسماح باستقرار العناصر الاساسية والحياة العادية للاسرائيليين المقيمين في المستوطنات الى ان يتم تقرير مصيرهم مستقبلا في اتفاقية الوضع النهائي . وقد تمسكت بهذه التفاهمات وتابعتها بتنسيق وثيق مع ادارة بوش.
"واضافة الى ذلك، فانه خلال الفترة التي سبقت أنابوليس وفي الاجتماعات التي جرت هناك، شرحت بالتفصيل للادارة الاميركية وللقيادة الفلسطينية ان اسرائيل ستواصل البناء في المستوطنات وفق القواعد المذكورة اعلاه.
"واسمحوا لي بان اكون اكثر وضوحا. ان مسيرة انابوليس ما كانت لتظهر باي شكل من الاشكال من دون هذه التفاهمات. ولذلك فان التركيز على الانشاءات الاستيطانية الان امر غير مجد.
"ان الاصرار الان على التجميد الكامل للانشاءات الاستيطانية – الذي يستحيل تنفيذه بالكامل – لن يجد طريقا امام الجهود الفلسطينية لتعزيز اجراءات الامن، ولبناء المؤسسات وهو امر حيوي بالنسبة لنمو الدولة الفلسطينية، ولتوفير حركة افضل للفلسطينيين، او حتى لتحسين اقتصاد الضفة الغربية. كما انه لن يضعف حكومة "حماس" في غزة. ولن يوفر امنا اكبر لاسرائيل، او يساعد في تحسين علاقات اسرائيل مع العالم العربي، او يعزز ائتلاف الدول العربية المعتدلة او ينقل التوازن الاستراتيجي في الشرق الاوسط.
"وحدها المسيرة السياسية التي تتطلب قرارات شجاعة من قادة الجانبين هي التي ستظهر حل قضية الاستيطان.
"وحتى هذا اليوم، فانني لا استطيع ان افهم لماذا لم تقبل القيادة الفلسطينية الاقتراح البعيد المدى وغير المسبوق الذي عرضته عليها. وقد اشتمل اقتراحي حلا لجميع القضايا المعلقة: التسوية بالنسبة للارض وترتيبات الامن والقدس واللاجئين.
"ويفضل استكشاف الاسباب التي جعلت الفلسطينيين يرفضون عرضي، ويفضلون بدلا منه السير بتثاقل متحاشين القرارات الواقعية. كان يمكن لاقتراحي ان يساعد في تحقيق "حل الدولتين" وفقا لمبادئ الادارة الاميركية والحكومة الاسرائيلية برئاستي والاسس التي اتبعتها القيادة الفلسطينية طوال السنين. "واعتقد ان من المهم اعادة النظر في الدروس الناشئة عن رفض الفلسطينيين لمثل هذا العرض. "ان التركيز على الانشاءات الاستيطانية، في الوقت الذي تغفل فيه التفاهمات السابقة، يُحول اتجاه التركيز بصورة غير عادلة بعيدا عن المسيرة السياسية الحقيقية وعن التعامل مع القضايا الاستراتيجية الحقيقية التي تواجه المنطقة".
ويقول اولمرت انه "يجب سحب بند الانشاءات الاستيطانية من الجدول الاعمال الجماهيري، وتحويله الى الحوار المكتوم مثلما كان الحال في الماضي. وسيعزز ذلك من علاقاتنا الثنائية ويسمح لنا بالتعامل مع القضايا الاساسية : وهي المسيرة السياسية، حرمان ايران من محاولة الحصول على اسلحة نووية، استئصال الارهاب الاسلامي، وايجاد حوار ضروري لتطبيع العلاقات بين اسرائيل والعالم العربي.
"ان الوقت يمضي سريعا فيما يتعلق بالتعامل بهذه القضايا المهمة. ولا يمكننا اضاعة الوقت الذي بين ايدينا في قضايا غير ذات اهمية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق