الخميس، 25 فبراير 2016

الفساد وتعنت الاحتلال وإعاقة ترميم المنازل المقدسية (شهادات) /تقرير محسن هاشم


 

حبوًا على يديها وقدميها تصعد المسنة ظريفة الجعبري (80 عاما) درج منزلها للذهاب إلى المركز الطبي لتلقي العلاج بين حين وآخر، فدرج المنزل ليس له حاجز "درابزين" يستعان به لصعوده. حدث هذا بعد أن تم ترميم المنزل! فقبل ذلك كان كل شيء على ما يرام، أو على الأقل كانت الجعبري قادرة على صعود الدرج بشكل طبيعي.
الحكاية في حي القرمي بالبلدة القديمة في القدس، هنا منازل تشققت لأسباب عديدة قبل أعوام، يُقال إن السبب هو أن هذه المنازل قديمة جدا منع الاحتلال ترميمها منذ سنوات حتى تراكمت المشكلات وتسببت بشقوق وانهيارات، ويُقال أيضا إن المشكلة تعود إلى حفريات الاحتلال تحت الأرض في محيط المسجد الأقصى (البلدة القديمة) لبناء شبكة أنفاق في المنطقة.
تسكن المسنة ظريقة الجعبري في منزلها منذ 50 عامًا، وتقدمت قبل أكثر من عام إلى لجنة الرفاه والتطوير لترميم المنزل، بعد أن فوجئت بسقوط تراب وحجارة من سقف منزلها ليلا، ليتم الترميم بالفعل لكن دون أي قيمة كما انتظرت أو توقعت العائلة.
وتقول الجعبري إنها غادرت منزلها إلى منزل ابنتها للإقامة فيه إلى حين الانتهاء من عمليات الترميم، لتعود وتجد المنزل على الحال ذاته إن لم يكن أسوأ، فالقرميد يسرب المياه والمطبخ أسود اللون نتيجة سوء الاستعمال أثناء العمل، عدا عن إعداد عمال القصارة "الجبلة" داخل المنزل، وعمل مصرف للمياه من أربع بلاطات دون يد يمكن إمساكه منها.
وتعتبر المسنة أن العمل في المنزل كان يهدف لإظهار أن كل شيء يجري على أكمل وجه أمام الممولين الأتراك لمشاريع الترميم، مدللة على ذلك بأن العائلة وعندما وجدت منزلها في حال سيء غادرته واتصلت بالمسؤولين الأتراك لمتابعة الأمر، لكن وخلال الليل جاء طاقم وقام بعمليات الترميم دون إذن العائلة أو علمها لإتمام العمل قبل وصول المسؤولين الأتراك.
إلى الوراء سر!
أم فادي غانم لم يكن حالها أفضل في هذه الحكاية، فمع بداية عام 2013 فوجئت العائلة بتشققات في المنزل الذي تقيم فيها منذ أكثر من 45 عاما، لكن نداءاتها لم تجد لها صدى لمدة تسعة أشهر، عندما زادت التشققات وحدثت انهيارات لتخلف ضجة إعلامية، حصلت بعدها العائلة على تعهد من جمعية الرفاه والتطوير بترميم المنزل، فغادرته على أساس ذلك.
وأقامت العائلة بعيدا عن منزلها لعام وسبعة أشهر، اضطرت خلالها للاستئجار في بيت حنينا حتى حدوث انفجار في المبنى الذي كانت تقيم فيه، لتنتقل بعدها إلى شعفاط. وتوضح أم فادي أنها حصلت على تعهد من محافظة القدس بدفع إيجار المنزل الذي ستقيم فيه طوال فترة الترميم، لكن الالتزام بهذا التعهد استمر لأربعة أشهر فقط وانتهى بعد ذلك.
انتهت فترة الترميم والاستئجار، عادت أم فادي وأفراد عائلتها إلى المنزل لتجده في وضع يرثى له، فالبلاط مكسر وعليه طبقة من القصارة لم تنجح العائلة في تنظيفها، وأبواب الخشب الثقيلة استبدلت بأبواب خشب "مثل البسكويت" حسب وصفها، زاد وضعها سوءا نتيجة الرطوبة، أما المطبخ "فدفات خزاناته مستعملة ولا يمكن إغلاقها بشكل كامل"، هذا عدا عن إزالة "الشفاط" المستخدم فيه، واستبدال نوافذ المنزل الخشبية بأخرى لا تغلق بشكل كامل وتتسرب منها المياه.
وتوجهت العائلة بالشكوى للجمعية وحصلت منها على وعود بإصلاح كل شيء، لكن ذلك لم يحدث حتى هذا اليوم، وطوال الأشهر الماضية ظلت العائلة تتردد على الجمعية فيتقاذفها المسؤولون من واحد لآخر، دون أي نتيجة.
وتقول أم فادي إن مسؤولين بالجمعية أبلغوها بأن كلفة ترميم المنزل بلغت 40 ألف دولار، لكن مهندسا يعمل معها أكد بأن التكلفة لم تتجاوز 10 آلاف دولار، مضيفة، أن مهندسا ومقاولا (نتحفظ على ذكر الأسماء) طلبوا منها التوقيع على ورقة بأنها تسلمت منزلها على أكمل وجه على أن يتم إصلاح ذلك لاحقا، لكنها رفضت فكانت النتيجة أن لم يتم إصلاح أي شيء.
وتبين، أن العمال استخدموا البيت وناموا فيه لأربعة أشهر كانت العائلة تدفع خلالها فواتير المياه والكهرباء، موضحة، أن إيجارات المنازل التي أقامت فيها خلال فترة الترميم بلغت 55 ألف شيكل، "لو دفعتهم في ترميم المنزل ورممته على حسابي كان طلع أحسنلي".
وتتابع أم فادي: "انا بوجه رسالة انه خافوا الله بالبيوت الي بشتغلوها، أنا طلعت من بيتي سنة وسبعة أشهر وتركته أمانة بين إيديهم ع اساس يرمموه مش يخربوه، وعدونا بأجارات وما دفعوها قلنا مش مشكلة المهم نرجع لبيوتنا، بس نرجع ونلاقي البيت هيك ما بنعاش فيه؟! هاي بيوت البلدة القديمة فش حد بستغني عنها واليهود حاطين عينهم عليها، وبهاد الترميم الي عملوا مش رح تصمد البيوت سنة سنتين".
فايزة السلايمة وعائلتها التي تقيم في حي القرمي منذ 40 عاما شكلت قصة أخرى يندى لها الجبين في الحي، فالعائلة غادرت منزلها إلى ضاحية السلام واستأجرت فيه بانتظار وصول دورها في عملية الترميم، لتعود إليه وتجده أسوأ حالا مما كان عليه.
ووفقًا للسلايمة، فإن بلاط المنزل تم تركيبه بشكل سيء والمصرف فيه أعلى من البلاط والمياه تتجمع في زاوية واحدة نتيجة ذلك، كما تكررت أيضا عمليات إعداد القصارة داخل المنزل كما جرى في بقية المنازل، إضافة لتسرب المياه من الحائط متسببة بتعفن أحد الجدران وسقوط طبقة الدهان وخراب التلفاز بسبب تسربها إليه، وإغلاق نافذتين في السقف بشكل سيء يتسبب في سقوط المياه منهما.
بحثًا عن تبرير للصورة المشوهة التي شاهدناها في المنازل التي يُفترض أنها مرممة، توجهنا إلى لجنة الرفاه والتطوير وتحدثنا لمدير عام الجمعية عبد الرحمن أبو طير، الذي أجاب أولا عن إيجارات المنازل البديلة قائلا إن الجمعية لا يمكنها دفع هذه الإيجارات، وإن مهمتها القيام بأعمال الصيانة وحسب.
ويقول أبو طير، إن الجمعية قامت بأعمال الترميم لرفع الخطر عن السكان بسبب تعرض الحي لانهيارات وتصدعات، موضحا، أن التمويل كان من البنك الإسلامي للتنمية، ومعتبرا أن الهدف بحماية السكان تحقق بالفعل كما يرى.
ويدعي أبو طير، أن مطالب أصحاب المنازل كثيرة وعديدة ولا يمكن تلبيتها جميعا، "فإرضاء الناس غاية لا تدرك" كما يقول، مضيفا، أن العمل تم على أكمل وجه وحسب المواصفات المطلوبة، لكن طلبات العائلات لا يمكن تلبيتها!
ويتابع: "قمنا بترميم الحي خلال 10 سنوات مرتين، وعلى السكان أن يتعاونوا مع الجمعية، لقد اضطررنا لدفع فاتورة الكهرباء المتراكمة على بعض البيوت حتى نستطيع الترميم"، معتبرا أن عودة التشققات للمنازل لا يعني أن الجمعية قصرت في واجبها، بل إن ما يحدث هو تسرب المياه العادمة ومياه شركة "جيحون" تحت المنازل متسبب في هبوط أساساتها.
ويعتبر أبو طير، أنه في الوقت الذي تنصلت فيه جهات كثيرة من مسؤولياتها تجاه الحي وسكانه، التزمت الجمعية بدفع مليون دولار لإتمام مشروع الترميم، مؤكدا على أن الجمعية لا تتحمل مسؤولية التشققات التي حدثت، ومنكرا في الوقت ذاته حدوث التشققات في بعض المنازل، رغم أنها موجودة بالفعل.

الأوقاف تكشف السر!
بحثا عن مزيد من الحقائق، توجهنا إلى دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، وتحدثنا إلى المسؤول بالأوقاف سمير أبو الليل، الذي قال إن دور الأوقاف اقتصر على الزيارات الميدانية والاطلاع على العمل إن كان وفق المواصفات الهندسية المطلوبة أم لا، وتقديم التقارير حول ذلك.
ويؤكد أبو الليل وجود مشاكل بعد الترميم بالفعل، وهو ما أظهرته زيارات بعض المنازل التي وردت شكاوى من أصحابها، مبينا، أن الأوقاف تواصلت مع لجنة الرفاه والتطوير لمعالجة هذه المشاكل، دون أن يدلي بمزيد من التفاصيل حول ما حدث بعد ذلك، ومكتفيا بالدعوة مرة أخرى لإصلاح المشاكل التي أكد أنها موجودة بالفعل في الحي، وذلك حفاظا على سمعة اللجنة التي تكفلت بالقضية، حسب قوله.
ووفقا لأبو الليل، فإن السر في حدوث المشاكل التي شاهدناها يكمن في أن جمعية الرفاه تقدم مشروع الترميم لمقاول يقوم بدوره بجلب أشخاص آخرين وتقديم مواصفات وشروط أقل من المتفق عليها في العطاء، ما يسبب في النهاية نتائج سيئة.
وحول الإيجارات المدفوعة عن المنازل في حي القرمي، يقول أبو الليل إن هذه المنازل هي أملاك وقفية في الأصل، والإيجارات المدفوعة رمزية جدا، موضحا، أن الأوقاف طلبت بالفعل إعفاء السكان من الإيجارات، لكن لم يتم اتخاذ قرار بذلك من قبل مجلس الأوقاف المخول بالبت في الأمر.
وبصرف النظر عن الاتهامات ومحاولات التنصل من المسؤولية، فإن زيارة سريعة للمنازل في حي القرمي كفيلة بأن تكشف أن السكان هناك لا يحصلون على أدنى المقومات التي من شأنها تعزيز صمودهم في الحي المستهدف في حرب التهويد الإسرائيلية لمدينة القدس، وأن عمليات الترميم الموعودة كان مآلها الفشل ولم تحقق النتائج المأمولة من السكان، ما يطرح سؤالا واسعا عن مكانة القدس المزعومة في الخطابات السياسية والمهرجانات.
ومع وجود صور تؤكد أن عمليات الترميم لم تكن كافية، وفي ظل تأكيدات الأوقاف بوجود تقصير وضعف في الترميم، توجهت "كيوبرس" إلى البنك الإسلامي للتنمية بحثا عن إجابات حول التساؤلات المطروحة، فكان الرد بوجود مكاتب استشارية للبنك في القدس تتولى متابعة هذه الملفات، فتوجهنا إلى المكتب الاستشاري المسؤول عن ملف إعادة الترميم، لكن محاولتنا قوبلت بالمماطلة وعدم التجاوب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار