السبت، 23 يونيو 2012

أهمية اللغة عمومًا بقلم /محسن هاشم

للغة قيمة اجتماعية ، فهي تحقق التواصل بين الناس ، فمن خلال اللغة يتواصل الناس فيما بينهم ، ويحققون أغراضهم ومآربهم ، فيتناقلون الأفكار ، وكذا يتناقلون المشاعر والأحاسيس ، ويطلبون تحقيق مصالحهم من بعضهم البعض . وهذا التواصل غرض أساسي بالنسبة للإنسان ؛ لأن الإنسان مدني بطبعه ، يحب الاجتماع والمدنية ، ويزعجه الانفراد والوحدة ، ولهذا كان السجن عبارة عن عقوبة للإنسان ! . فاللغة إذن تحقق للإنسان هذا الغرض الغريزي ، وهو بدوره يحقق التواصل الاجتماعي . وللغة أيضًا قيمة إنسانية اختص الله بها الإنسان ، فهي تتيح للإنسان التعبير عن أفكاره ومشاعره وآماله وآلامه ، وهذه نعمة خاصة بالإنسان من بين سائر الكائنات ، انظر إلى الجبال والبحار والسهول والأنهار والصخور والأشجار والطيور والحيوانات هل بين منها شيء ؟!! . ثم لك أن تتصور وتتأمل على المستوى الفردي كيف لو كنت أبكمًا ؟! كم سيصيبك من الأسى والحزن عندما تريد أن تبين فلا تستطيع ؟! تريد أن تقول : هذا صحيح ، أو هذا غير صحيح ، أو أتنمى كذا وكذا ، أحب كذا وكذا ، أكره كذا وكذا ...الخ ، فلا تستطيع التعبير عن أفكارك ومشاعرك وآمالك وآلامك ... فالحمد لله على نعمة البيان . ثم تأمل على المستوى الجماعي لو أن الناس لا يتكلمون ، كيف تكون حياتهم ؟!! ، لا تبادل أفكار ولا تبادل خبرات ، ولا تبادل مشاعر ، ولا علم ، ولا قضاء مصالح ، ولا حياة مدنية .... الخ . فالحمد لله على نعمة البيان . وللغة قيمه حضارية فهي وعاء الفكر وكل حضارات الأمم مرتبطة بلغتهم ، وإذا أردت أن تعرف حضارة أمة ما فتعرف على لغتهم . وكذا لو سادت حضارة ما فإنه من الطبيعي أن تسود لغتهم ، انظر عندما سادت الحضارة الإسلامية في القرون الأولى سادت معها اللغة العربية ، وانتشرت بين سائر الأمم ، وأقبلت الشعوب على تعلمها وحفظها بل وتعليمها ، فانجذبوا إليها ، واستمتعوا بها ، وتعلموها زرافات ووحدانًا ، وجاءوا من إيطاليا وأوربا إلى الأندلس لتعلمها ، يقول أحد المستشرقين : إن أرباب الفطنة والتذوق سحرهم رنين الأدب العربي وصاروا يكتبون بلغة القوم الظاهرين القاهرين العرب واحتقروا اللاتينية ، حتى يقول أحد قساوستهم : وا أسفاه ، إن الجيل الناشئ من المسيحيين لا يحسنون أدبًا أو لغة غير الأدب العربي واللغة العربية وإنهم ليلتهمون كتب العرب ويجمعون منها المكتبات الكبيرة بأغلى الأثمان . وكتب الفارو نصار قرطبة في عام 1854م رسالة إلى أحد أصدقائه يقول فيها : "إننا لا نرى سوى الشبان المسيحيين هاموا بحفظ اللغة العربية يبحثون عن كتبها ويقتنونها ويدرسونها يشغف ، ويعلِّقون عليها ويتحدثون بها بطلاقة " . واليوم تسود الحضارة الغربية على العالم وتهيمن عليه وتفرض سلطتها ، ففرضت معها لغتها الإنجليزية ، وإن الاعتزاز بالعربية رمز للشموخ والإباء . مع التنبيه على أن هناك فرقًا بين سيطرة الحضارة الإسلامية وسيطرة الحضارة الغربية ، فالحضارة الإسلامية عندما سيطرت لم تفرض سيطرتها بقوة السلاح وإنما فرضت نفسها ، وتعلمت الشعوب الحضارة الإسلامية واللغة العربية حبا فيها وطواعية منهم ، بل أصبح بعضهم من أعلام علماء اللغة متبحرًا فيها متضلًعا بها مكبرًا لها كسيبويه وأبي الفتح ابن جني وأبي على الفارسي وغيرهم . أما الحضارة الغربية اليوم فقد استعملت قوة السلاح في فرض حضارتها ولغتها فتكفيك نظرة واحدة إلى تاريخ المستعمرين الغربيين في القرن الماضي وصنيعهم ، وكذا في العصر الحديث . ومن نماذج ذلك ما أصدره الرئيس الفرنسي في الجزائر إبان الاحتلال عام 1937م من قرار بعقوبة كل من يخاطب السلطات الفرنسية بغير اللغة الفرنسية عقوبته الإعدام . أخيرًا إن للغة قيمة فنية ومتعة جمالية ، فهي وسيلة فنية من الفنون الجميلة يعتمد فيها على اللغة منطوقة أو مكتوبة ، وهي بهذا تحقق للإنسان حاجته وحبه للجمال . سواء عن طريق الشعر مقطوعات شعرية أو قصائد أو ملاحم ، أو عن طريق النثر مقالة أو خواطر أو أقصوصة أو قصة أو رواية أو حورًا ومناظرة أو خطابة وإلقاء . فهذه كلها ميادين رحبة للفن والإبداع اللغوي ، وإذا ما احتوى على رسالة وفكر شريف فقد أصاب كبد الحقيقة وملك قلوب الناس واستحوذ عليهم تعريف اللغة أكثر التعريفات دقة للغة في تراثنا العربي هو قول ابن جني (ت 397) : اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم . وأما أفضل تعريف في علم اللغة الحديث : نظام من رموز صوتية اصطلاحيه تعبر هي وما يصاحبها ويلابسها عن غرض أو حال . والمقصود بالملابسات : ما يحيط باللفظ من نبر أو تنعيم أو إشارات أو وسائل إيضاح . فهذه الملابسات لها أثر بيان المعنى المراد ، مثل (ذق إنك أنت العزيز الكريم ) للتهكم ، وقوله : (اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون خبير) للتهديد . وأسباب النزول وذكر مناسبات القصائد أمثلة على الملابسات . = منهج دراسة اللغة أو مستويات الدرس اللغوي : 1- المستوى الصوتي : وتدرس فيه الحروف ومخارجها وصفاتها وصور كتابتها 2-المستوى الصرفي : يدرس فيه بنية الكلمة وهيئتها ، وكيفية صياغتها. 3-المستوى النحوي(التركيبي) : ويدرس فيها الجمل وعلاقات الكلمات داخل التركيب . 4-المستوى الدلالي : يهتم بالمحتوى العام للنص وموضوعه ومفهومه. 5-المستوي المعجمي : يهتم بمعاني الكلمات ومفرداتها . مقدمة عن أهمية اللغة العربية وبعض خصائصها تميزت اللغة العربية بجملة من الخصائص أكسبتها مزيدًا من الأهمية . ومنها : 1-ارتباطها بالوحي ، إذ هي لغة القرآن الذي أنزل للناس كافة ، وهذا الوحي هو القضية الأساسية للناس كافة ، إذ هو دستورهم ، ينظم علاقتهم الروحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسة . وهذه الخاصية تختص بها العربية دون سائر اللغات ، فحتى الكتب السماوية السابقة كانت خاصة بأقوامهم ، أما القرآن فهو موجَّه للبشرية كلها. ثم إن الكتب السماوية السابقة منسوخة بالقرآن فالقرآن مصدق للكتب السماوية التي كانت قبله قبل تحريفها وهو مهيمن عليها ناسخ لها. ومن هيمنة القرآن اكتسبت العربية لغة القرآن هيبة وهيمنة على سائر اللغات ، وهكذا اعتبرها علماؤنا أنها أفضل اللغات وأوسعها . وقد جعل ابن فارس هذا عناونًا في كتابه (الصاحبي في فقه اللغة العربية وسنن العرب في كلامها) . وقال الإمام الشافعي قبله : " لسان العرب أوسع الألسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا وقد علمنا أنه لا يحيط به إنسان غير نبي " . 2- أنها لغة ثابتة وراسخة ، وهي ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ لأكثر من خمسة عشر قرنا ، أما سائر اللغات فتختلف عما كانت عليه قبل قرنين أو ثلاثة قرون تقريبا حتما ، فمثلاً لغة (شكسبير) الأديب الإنجليزي - وقد عاش قبل ثلاثة قرون تقريبا - تختلف عن الإنجليزية اليوم ، وقد لا يفهمها إلا المتخصصون . 3-أنها محفوظة بحفظ الله فتكفل الله سبحانه بحفظ القرآن ، والعربية لغة القرآن محفوظة بحفظه . والعربية ثابتة وراسخة في القدم وباقية في المستقبل إن شاء الله ، وهي اليوم حاضرة بين أيدينا لغة أدب وشعر وكتابة وتأليف ، ولغة مثقفين ومفكرين وعلماء وفقهاء ورؤساء وملوك ، ووسائل إعلام ومذيعين . 4- أنها لغة راقية في التعبير وتتميز في الفصاحة والبلاغة والصور الفنية البديعة وقد كان العرب في العصر الجاهلي تعجبهم الكلمة الجميلة ويتلذذون بالصور الفنية البديعة وما المعلقات إلا شاهد على ذلك ، وقد وجاء القرآن متحديا لهم من جنس ما تميزوا به وهو البيان والفصاحة ، 6- والعربية لا تنفك عن الإسلام ؛ إذ بها يمارس المسلم عباداته وشعائره .وأذكاره وأوراده 7- واللغة العربية هي مستودع ذخائر الأمة ومخزونها الثقافي ؛ لأن التراث الهائل العربي والإسلامي كله مقيد ومدون بالعربية ، ولا تخفي قيمة التراث عند الأمم ، فهو حلقة الوصل بين الأمة وعلمائها ، وهو الذي يحدد شخصيتها ، ويرسم ملامحها . 9- تعلم العربية يفتق الذهن 8- وقد تميزت العربية بجملة من الخصائص أكسبتها مزيدًا من الأهمية ونأخذ منها ما يأتي : أ-غزارة مفرداتها : فنظرة واحدة في معجم عربي تجد أنك أمام كم هائل من المواد اللغوية ، وكل مادة تشتق منها عشرات الكلمات ، مثال ذلك : (ك ت ب) فتقول : كتب ، يكتب ،اكتب اكتبا اكتبي اكتبوا اكتبن ، وأكتب ونكتب ويكتب وتكتب ، وكاتب(اسم فاعل) ومكتوب(اسم مفعول) ومكتبة ومكتب وكُتُبٌ وكتيبة وكَتَبَةٌ وكاتبة وكاتبون وكاتبات وكويتب وكويتبات وكتيبات ... الخ وهذه الخاصية وهبها الله لها لضمان بقائها وقدرتها على النمو ومواجهة تصرفات الحياة . ب- الطبيعة الاشتقاقية : والمقصود أن المادة اللغوية الواحدة تدور حو معنى معين . ومثال ذالك مادة (ج ن ن) إذ يدور معناها حول الستر والخفاء فالجن مستورون ، والجنين مستور في بطن أمة ، والمجنون خفي عقله ، والجنة خفيت علينا . وأبرز من تميز بهذا ابن فارس صاحب ( معجم مقاييس اللغة ) . وابن جني يذهب إلى أبعد من ذالك فيجعل المعنى متحدًا حتى لو اختلف ترتيب الحروف (م ل ك) (م ك ل) (ل ك م) (ل م ك) (ك م ل ) ( ك ل م) . ومرجع آخر وهو ( المزهر في علوم اللغة وآدابها ) للسيوطي . ج- قيامها علي القوالب البنائية : المقصود بالقوالب البنائية هي هيئة الكلمات ومجيئها على أبنية مختلفة ، وكل هيئة أو قالب منها يحمل دلالة مختلفة ، وهذه الخاصية تختلف عن اللغات الإلصاقية كالانجليزية مثلاُ فتقول إن (ing) يدل على المستمر ويكون في آخر الكلمة ، أما العربية فتجد مادة لغوية وتستطيع أن تشكل منها كلمات مختلفة في أبنية وقوالب متنوعة فيتبعها اختلاف المعنى ، وللأبنية معان معروفة كلما جاءت عليها كلمة لا يمكن أن تخلو من هذا المعنى (غالبًا) . ومن ذلك بناء ( فاعل ) يطلق على اسم الفاعل مثل شارب ، وكاتب . وبناء ( مفعول ) يطلق على اسم المفعول مثل : مكتُوب ومضُروب. وبناء ( مِفْعال ) يطلق على اسم الآلة نحو : مِفْتاح ومِصْباح ومنِظْار ومِحْراث . وبناء ( فُعَال ) يطلق على شيئين : إما الصوت ، أو المرض . فالصوت نحو : بُكَاء ، مُوَاء ، خُوَار ، رُغاء . والمرض نحو : زُكَام ، سُعَال ، بُهاق . وبناء (فَعْله) يطلق على اسم المرة مثل : جلست جَلْسة ، أكلت أَكْلَة ، أي واحدة . وبناء ( فِعْلة ) يطلق على اسم الهيئة نحو : جلست جِلْسة الرئيس ، مشيت مِشْية المتبختر ، ومنه الحديث (إن هذه مِشْية يكرهها الله إلا في هذا الموضع) . وبناء ( فًعْلان ) يدل على شيئين : إما خلوٌّ ، أو امتلاء . فالخلو نحو : جوعان عطشان ، والامتلاء نحو : شبعان ريَّان غضبان ، ومنه ( الرحمن ) صفة لله سبحانه وتعالى يختص بها أي : ملأ ووسع خلقَه رحمة سبحانه ، حتى البهائم وجميع الخلائق د- وقوع الاشتراك فيها : والمشترك هو أن يكون للفظ أكثر من معني . ومثاله العين تطلق علي العين الناظرة ، وعلى عين الماء ، وعلى الحسد وعلى الجاسوس . هـ- وقوع الترادف فيها : والمترادف هو أن يكون للشيء الواحد أو المعني الواحد أكثر من لفظ يدل عليه . مثاله : الأسد يطلق عليه الليث والغضنفر وأسامة . و- وقوع النحت فيها : وهو انتزاع حرف أو أكثر من كلمتين أو أكثر وصياغة كلمة جديدة ؛ لتدل على معني ما انتزعت منه ، ومثاله : بسمل الرجل اختصار لقول : بسم الله الرحمن الرحيم ، والحوقلة اختصار لا حول ولا قوة إلا بالله ، وعبشمي اختصار آل عبد شمس ، وعبدلي اختصار آل عبد الله . وفائدة النحت الاختصار ، ولكن العربية لا تتوسع في هذا ؛ حتى لا يقع الخلط وجهل المعنى ، لأنك عندما تسمع كلمة منحوتة لأول وهلة لا يمكن أن تعرف معناها حتى تعرف تاريخها ومم نُحتت ؟! ، لأن العربية قائمة على الطبيعة الاشتقاقية ، وهذا مفيد جدًا ، فعندما تسمع كلمة ( منظار) لأول مرة فإنك تستطيع معرفة معناها من خلال قالبها وبنائها ، إذ إن هذا البناء يدل على الآلة ، وبهذا عرفت نصف المعنى ، ثم تقول إن المادة هذه الكلمة هي (ن ظ ر) ومعناها الإبصار ، وبهذا عرفت المعنى فتقول : إنها آلة للنظر . ومثله (رُغاء) ستقول إنه صوت أو مرض . أما اللغات الأخرى كالإنجليزية مثلاً فتتوسع في المختصرات اللفظية وهذا يوقع المترجمين والمتحدثين بها في حرج . ي- وقوع الاتساع فيها : والمقصود به المجاز والاستعارة فالمجاز هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له علاقة ، مع قرينة دالة . مثالة الأسد في العربية هو الحيوان المفترس المعروف وعندما تقول : رأيت أسدا شاكي السلاح فإن المقصود هو الإنسان الشجاع المقاتل . والعلاقة بين المقاتل الشجاع والأسد الحقيقي هي المشابه في الشجاعة ، ومن الأمثلة رأيت أسدا يخطب على المنبر وقوله سبحانه وتعالى(واخفض لهما جناح الذل من الرحمة)وقوله (واشتعل الرأس شيبا) وقوله (جدارًا يريد أن ينقظ فأقامه) وقولة (واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها وإنا لصادقون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار