الثلاثاء، 1 مارس 2016

المسجد الإبراهيمي.. مسجد يواجه غول التهويد الإسرائيلي! /تقرير محسن هاشم مترجم اللغة العبرية




في قلب مدينة الخليل جنوب الضفة المحتلة، يقع المسجد الإبراهيمي، ثاني أهم المعالم الإسلامية في فلسطين، بين مطرقة التهويد وسنديان الاستيطان الذي استشرى كالسرطان ليحيل مدينة خليل الرحمن كابوسًا مرعبًا.
ومنذ الاحتلال الإسرائيلي للمدينة عام 1967 وحتى يومنا هذا، يجابه المسجد حربًا ضروسًا، خضع خلالها لمحاولة طمس حضاري وغزو تراثي من قبل الغزاة الصهاينة، فيما تعرض المصلون الفلسطينيون فيه إلى مذبحة رهيبة عام 1994 م، راح ضحيتها نحو أربعين شهيدا وعشرات الجرحى.
ورغم الأهمية الدينية والتاريخية والسياسية للحرم الإبراهيمي؛ إلا أن حالة من الصمت العربي تخيم على مشهد الصراع اليومي والمعاناة المستمرة للفلسطينيين في وجه التهديد والتهويد لمسجدهم الذي تؤكد المؤسسات والمصادر والمراجع كافة على إسلاميته.
وللمسجد جذور تاريخية تحدثت عنها موسوعات التاريخ والباحثون وعلماء الآثار. ويوضح الدكتور عدنان أبو تبانة أستاذ التاريخ الإسلامي والمتخصص بتاريخ القدس والخليل لمراسل "المركز الفلسطيني للإعلام"، أن  قصة المسجد الإبراهيمي بدأت بقدوم سيدنا إبراهيم عليه السلام "لاجئًا سياسيًّا" إلى هذه البلاد مصداقًا لقوله تعالى "وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ" (الأنبياء:71)؛ حيث كان يسكنها العرب الكنعانيون، فمكث في ضيافتهم سنوات طوال، وأصبح هناك ارتباط وثيق بينه وبين هذه المدينة التي سميت باسمه، فقال الله تعالى في كتابه العزيز "وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا".
مغارة إبراهيم
وفي مغارة أسفل المسجد، اتخذ إبراهيم عليه السلام مدفنا لزوجته سارة قبل نحو 3800 سنة، وفيها دفن هو عليه السلام وسيدنا إسحق وزوجته وسيدنا يعقوب وزوجته، وفق المعطيات التاريخية.
إن المسلمين عندما فتحوا هذه البلاد زادوا  من ارتفاع هذه السور وأصبحوا يصلون في المكان واتخذوه مسجدا، وفي العصر الأموي أقام المسلمون للبناء سقفا  وبدأت تقام  فيه صلاة الجمعة منذ الفتح الإسلامي.
ويشير الباحث أبو تبانة إلى أن الكثير من الدراسات تشير إلى أن هذه المغارة مع امتداد الأزمان أصبحت مهددة بالانهيار لما تراكم عليها من حجارة وأتربة وأشواك وأعشاب وأوساخ، لذلك بني حولها في زمن سيدنا سليمان عليه السلام سورا وسمي في كتب الفضائل (الحير) بمعنى السور، وهذا السور مبني من حجارة ضخمة حيث يلاحظ الزائر إلى الحرم الإبراهيمي أن بعض الحجارة يصل طولها إلى عشرة أمتار وعرضها أكثر من مترين، وهناك أكثر من رواية في آلية بناء هذا السور الضخم.
وتابع الدكتور أبو تبانة قائلا: إن المسلمين عندما فتحوا هذه البلاد زادوا  من ارتفاع هذه السور وأصبحوا يصلون في المكان واتخذوه مسجدا، وفي العصر الأموي أقام المسلمون للبناء سقفا، وبدأت تقام  فيه صلاة الجمعة منذ الفتح الإسلامي.
المسجد تحت الاحتلال الصليبي
وأشار الدكتور أبو تبانة أن الخليل في سنة 492 للهجرة نكبت في الغزو الصليبي، فأصبح الحرم الإبراهيمي بيد الصليبين، وحولوه إلى بطركية هامة في فلسطين، وأصبح أحد الأماكن المهمة لدى البابوية والرهبان وكانت تسمى (سانت أبراهم)، واستمر إطلاق هذا الاسم على الحرم لمدة 90 عاما إلى أن جاء صلاح الدين وحرر البلاد وهدم القلعة التي بنيت بداخل المسجد، كما عمل صلاح الدين أيضا على بناء مدرسة سميت على اسمه باليوسفية، وهي المنطقة الغربية من المسجد الإبراهيمي.
وللمسجد الإبراهيمي مكانة هامة عند المسلمين عبر العصور، كونه مرقد الأنبياء عليهم السلام، وإن اختلفت الروايات في ذلك، وأكد مفتي محافظة الخليل الشيخ محمد ماهر مسودي على ذلك؛ حيث قال في حديث لمراسلنا: إن مدينة الخليل سميت بهذا الاسم نسبة إلى وجود نبي الله إبراهيم عليه السلام فيها، لافتا إلى عدم وجود دليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة على وجود قبر سيدنا إبراهيم في المدينة، ولكن هذا نقل الأجيال، ونقل الأجيال يعتبر تاريخ يحتمل الصدق ويحتمل غير ذلك.
وأضاف الشيخ مسودي: تكمن الأهمية الدينية لهذا المكان كونه يضم جد الأنبياء المرسلين، وأول المسلمين ونحن نعتز ونفتخر أن اسم مدينتنا منسوب إلى هذا النبي الكريم إبراهيم عليه السلام.
ويؤكد الشيخ المفتي مسودي أن الصلاة في المسجد الإبراهيمي أجرها كأجر الصلاة في أي مسجد آخر، إلا أنه يزيد عن هذه المساجد بالأجر جراء الثبات والرباط خاصة وأنه معرض لأطماع التهويد والاحتلال، فالصلاة فيه من باب المرابطة ومن باب الإغاظة لقوله تعالى "ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح"، فأي إنسان من أهل الخليل يذهب للصلاة في هذا المسجد يكون قد جسد معنى الرباط الحقيقي إذا أخلص النية في ذلك.
مسجد أم حرم؟
يطلق الناس في الخليل على هذا المسجد اسم الحرم، ولا يوجد حقيقة حرم إلاّ في مكة المكرمة وهو المسجد الحرام ولكن هذه المساجد الأخرى سميت بالحرم كتسمية عرفية من باب الاحترام والتوقير والتبجيل لهذا المكان، وكأن هذا المكان له احترامه ووقاره وهيبته لا يجوز فيه ما يجوز خارجه.
وأضاف المفتي مسودي: "قبل 700 سنة زار مدينة الخليل العلامة تقي الدين السبكي قاضي القضاة، وجاء من مصر بدعوة من برهان الدين الجعبري وكان عالما  تقيا وورعا، وأخبره أن هناك مكانا فيه نزاع بجواز الصلاة فيه أم لا، فزار المسجد وعندما علم أنه يقع في الدور الثالث، وأنه يوجد أسفله طابق آخر ومغارة، وسمع الناس تقول الحرم الحرم فقال: صليت في حرم الخليل، فكأنه أقر التسمية من باب العرف والاحترام وليس من باب أنها تسمية شرعية، وبعض العلماء أجاز إطلاق الحرم على هذه المسجد وغيره من باب العرف وليس من باب أن له حرمة شرعية".
مسلسل الانتهاكات
تعرض المسجد الإبراهيمي إلى العديد من الانتهاكات والتعديات وقتل المصلين الآمنين ، وحول هذا المسلسل الحاقد قال مدير مديرية الحرم الإبراهيمي الشريف الحاج منذر رفيق أبو الفيلات: منذ عام 1967 كانت السيطرة على الحرم الإبراهيمي للفلسطينيين حتى السبعينيات مع دخول موشية ديان الحرم الإبراهيمي إلى مغارة إبراهيم، وبعد ذلك تم إغلاق مدخل الغار، توالت بعد ذلك الاعتداءات، ففي العام 1976 أحرق المستوطنون المصحف الشريف في المسجد، وحصلت مظاهرات واشتباكات بين المستوطنين والمصلين على إثر هذه الحادثة.
في العام 1994 كانت المرحلة المؤلمة في تاريخ المسجد الإبراهيمي وذلك بعد  المجزرة التي اقترفها المستوطن المتطرف باروخ جولدشتاين وراح ضحيتها 29 شهيدا من المصلين، حيث وقعت المجزرة في الركعة الثانية من صلاة الفجر.
لم تنته هذه الانتهاكات بحق المسجد الإبراهيمي، فأقدم الاحتلال في العام 1987 على تركيب أجهزة الكترونية على المداخل الرئيسية الثلاثة، ووضع عدسات تلفزيونية وبوابات إلكترونية.
وأضاف أبو الفيلات في حديثه لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" "في العام 1994 كانت المرحلة المؤلمة في تاريخ المسجد الإبراهيمي وذلك بعد  المجزرة التي اقترفها المستوطن المتطرف باروخ جولدشتاين، وراح ضحيتها 29 شهيدا من المصلين، حيث وقعت المجزرة في الركعة الثانية من صلاة الفجر.
لجنة شمغار
على إثر المذبحة الرهيبة شكلت سلطات الاحتلال لجنة تحقيق سميت "لجنة شمغار" التي قضت بتقسيم المسجد إلى قسمين 56% لليهود و44% للمسلمين، ومنذ ذلك الوقت وضع الصهاينة قاطعا في وسط المسجد هيمن اليهود والمستوطنون فيه على منطقة اليعقوبية واليوسفية والعنبر وغرفة السدنة والمكتبة، وبقيت منطقة الإسحاقية للمسلمين.
ومنذ تقسيم المسجد، أصبح المسلمون يتصرفون بالقسم الواقع تحت سيطرتهم من الساعة الثالثة فجرا حتى الساعة التاسعة ليلا على طوال العام إلاّ 10 أيام خلال أعياد اليهود يأخذون فيها المسجد بأكمله.
وأكد أبو الفيلات أن سلطات الاحتلال تمنع إقامة أذان المغرب منذ سيطرتهم على الحرم وحتى هذا الوقت إلا في الأيام العشرة التي يمنح فيها المسجد بأكمله للمسلمين خلال السنة، فعدد أوقات الأذان في الشهر مائة وخمسون وقتا في العادة، فيما تمنع سلطات الاحتلال الأذان ما بين خمسين إلى سبعين وقتا خلال الشهر، إضافة إلى أيام السبت التي لا يرفع فيها الأذان بتاتا، خاصة أن غرفة الأذان في القسم المغتصب الذي يقع تحت سيطرة الاحتلال.
وأضاف أبو الفيلات "حينما يحين موعد الأذان نأخذ تصريحا لدخول المؤذن، ويتم دخوله في ظل تواجد قوات الاحتلال، في حين يحدث أحيانا اعتداء من قبل المستوطنين على المؤذن".
ويبقى المسجد يروي قصة صراع حضاري يسعى الاحتلال من خلاله إلى طمس معلم إسلامي، وتهويده وتغيير معالمه وفق طقوس توراتية تدفع نحو تهويد المكان، يجابهه الفلسطينيون بالصمود والرباط وتوارث أمانة الحفاظ عليه جيلا بعد جيل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار