الأحد، 28 أكتوبر 2012

استباحة الاحتلال للمقدسات.. إنذار خطر :- بقلم محسن هاشم

لم تعد مداهمات المساجد والمقابر الإسلامية أو حتى هدمها في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 أو 48 بالأحداث الجديدة، بل هي ممارسة معتادة وممنهجة من قبل الاحتلال الصهيوني؛ لما تُحدثُه من ألم نفسي جراء منع مساجد الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه. فـدولة الاحتلال باتت مؤخرًا تتعمد اقتحام المساجد والمقابر الإسلامية، وبعضها تقوم باستخدامها كخمارات ومطاعم، والبعض الآخر ملاهٍ وتـُدنِّسها بإقامة الحفلات الصاخبة والماجنة في ساحاتها، إلى جانب تحويلها أحيانًا كحظائر؛ للنيل من قدسيتها، بينما أحيانًا ترتقي بتلك الأماكن وتحولها إلى كنس ومتاحف، كما فعلت في المسجد الكبير ببئر السبع، والذي يعد المسجد الأول في النقب، والشاهد على بناء المدينة على أيادي عربية إسلامية في الحقبة العثمانية. هنا في الأراضي المحتلة عام 48 لم تعد هذه الأسماء "البصة، عين حوض، الخالصة وقيساريا" تُعَرَّف على أنها مساجد إسلامية، لقد حُولت بخبث النية الصهيونية إلى مطاعم وخمارات وقاعات حفلات لتعاطي المخدرات، بينما المقابر الإسلامية نُبشت من بين ذرات ترابها الهياكل العظمية، وبُنِيَت عليها مواقف السيارات، ومُرر من فوقها شوارع، وأخرى أُنشئت عليها الفنادق الجاذبة للسياح الأجانب؛ لإيصال رسالة للعالم بيهودية المكان، وثالثة جرفت قبورها التاريخية، وزرعت فوقها آلاف القبور اليهودية الوهمية لفرض أمر واقع، وتحقيق السيطرة على الأراضي الوقفية الإسلامية، وطمس المعالم الإسلامية والتاريخية في الداخل الفلسطيني، ولاشك أن الصمت العربي والدولي على الممارسات الإسرائيلية على مدار الـ 64 عامًا الماضية، كانت رسالة سلبية ضاعفت من جرأة قوات الاحتلال الإسرائيلي للسطو على كل أثر عربي وإسلامي. القدس أون لاين" يرصد مع عدد من الخبراء خلال التحقيق التالي الاعتداءات على المقدسات الإسلامية، وأسباب التصعيد الأخير على المقدسات الإسلامية من قبل الاحتلال، ومخاطر تلك الممارسات على الهوية العربية الإسلامية الفلسطينية. ممارسات وأساليب جديدة يشرح محمود أبو عطايا- الناطق الإعلامي لمؤسسة الأقصى للوقف والتراث– ما تقوم به دولة الاحتلال من استغلال للمواسم الدينية اليهودية لممارسة مزيد من التهويد في الأراضي المقدسة، وأضاف: "إنها وبالتعاون مع الجماعات الصهيونية تعمد إلى استجلاب أكبر عدد ممكن من المشاركين في احتفالاتها وطقوسها الدينية؛ لتغيير الواقع الحضاري الإسلامي العربي الأصيل للمقدسات الإسلامية، وبخاصة المسجد الأقصى، لافتًا أنها تعمدت مؤخرًا تنفيذ الحفلات الصاخبة والراقصة في القصور الأموية المحاذية للمسجد الأقصى، بينما تتعمد الجماعات الاستيطانية القيام بجولات الاستغفار في منطقة سلوان والأنفاق المحيطة بالمسجد الأقصى لتظهره بالطابع اليهودي. وبحسب إحصاءات كشفت عنها مؤسسة الأقصى للوقف والتراث، فإن الاحتلال الصهيوني دنس ما يقارب من 2350 مكانًا مقدسًا إسلاميًا ومسيحيًا في القرى المهجرة وبلدات الساحل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، حوالي 1350 منها تقع في شمال فلسطين من قيساريا خط عرض إلى أقصى الشمال، والمدن الساحلية عكا ويافا وحيفا واللد والرملة، بينما الـ1000 موقع الآخرين في القسم الجنوبي من فلسطين، وتُشير المؤسسة إلى أن القوات الصهيونية تحارب المقدسات بقوة القانون، فتمنع إعادة ترميمها، ما يجعلها تتآكل شيئًا فشيئًا، وتنهار إلى هدم وزوال. حيث استعانت دولة الاحتلال بدائرة الآثار في حكومتها اليمينية العنصرية المتطرفة لتُغير مناخ المكان الثقافي، وطابعه الحضاري والإسلامي بتنظيم ليالٍ صاخبة راقصة بمشاركة ودعم المسيحيين الصهاينة من البروتستانت والأرثوذكس الذين تقاطعت أهدافهم مع الاحتلال الصهيوني. استقطاب العالم لم يعد خفيًّا أن الاحتلال الصهيوني لا يهدف فقط إلى فرض أمر واقع على الأراضي الفلسطينية المحتلة بتهويدها، بل يسعى لأبعد من حدود الأرض إلى إيجاد نظرة عالمية ثابتة بيهودية الأراضي الفلسطينية وتاريخها وحضارتها، وإلا فما مغانمه من تشييد الفنادق على أنقاض الآثار الإسلامية، وإقامته للحفلات الماجنة في ساحات المسجد الأقصى وفي محيطه بالقصور الأموية، وكذلك من تحويل المسجد الكبير في بئر السبع إلى متحف يضم كل أثر يهودي مزيف؛ لينفي عنه حقيقته كأول مسجد في النقب، وكشاهد على بناء المدينة على أيادي عربية إسلامية في الحقبة العثمانية. الشيخ أسامة العقبي- مسؤول الحركة الإسلامية في النقب- يؤكد أن دولة الاحتلال عبر ممارساتها الأخيرة باستهداف المقابر والمساجد، وتحويلها إلى كنس ومتاحف وفنادق تهدف إلى تغيير نظرة العالم للمقدسات الإسلامية الفلسطينية، وإظهارها على أنها آثار يهودية ليس لأحد الحق فيها إلا اليهود، وقال في حديثٍ خاص مع "القدس أون لاين": "لقد استباح الصهاينة قدسية المسجد الكبير ببئر السبع، فهودوا مساحاته وذرات ترابه ضمن مخطط محكم"، وبمزيد من التفصيل يُشير إلى خطوات التهويد التي حلت بالمسجد إلى أن حُول إلى متحف يهودي. ويؤكد أن الاحتلال أراد أن يتقاسم المسجد مع الفلسطينيين في النقب، إلا أننا رفضنا، ومن ثمَّ كانت الممارسات بمنع الوصول إلى المسجد، ومنع رفع الآذان فيه وفي خطوة متقدمة، وبعد أن ساهمت ممارسات التعذيب والتنكيل في خفض أعداد الواصلين إليه من المصلين، عمدت قوات الاحتلال إلى تحويله إلى متحف، وفرضت على الفلسطينيين دفع رسوم لدخوله والصلاة فيه، يقول "العقبي" لنا: "نحن رفضنا أن ندفع للاحتلال، وأبينا إلا أن نصلي في مسجدنا، ومازلنا نُصرُّ على إسلاميته وقدسيته للمسلمين". استنبات تاريخ ويرى "أبو عطايا" أن الاعتداءات الصهيونية في القدس المحتلة وأراضي الـ48 استباحت كل ما هو إسلامي ومسيحي على مستويين: أحدهما أنكى من الآخر، فالاحتلال يسعى لاستنبات تاريخ صهيوني مزيف على أنقاض المؤسسات الإسلامية والتاريخ والحضارة التي كانت قائمة من خلال طمس معالمها بالهدم والتجريف وإحلال الغير". ويؤكد في حديث خاص للـ"القدس أون لاين": لقد هدمت المؤسسة الصهيونية منذ العام 1948 مئات المساجد، وعمدت إلى إهمال ما تبقى منها بالقرى المهجرة حتى باتت الآن معرضة للهدم البطيء، والسبب وفق ما حدثنا "أبو عطايا"، أن المؤسسة الصهيونية تمنع إدخال مواد الترميم اللازمة لإبقاء المساجد شاهدة على إسلامية المكان، وأضاف: إنها في مرحلة متقدمة وبعد الهدم تعمد إلى بناء الكُنس أو المتاحف على أنقاضها، وأحيانًا أخرى تُشيد الفنادق وتفردها لكبار الزائرين من السياح الأجانب لتعمق سياسة التهويد. ولا يكتفي الاحتلال الصهيوني في استنبات تاريخ له في القدس وأراضي الـ48 وكل شبر من الأراضي الفلسطينية المحتلة بتحويل المساجد، وطمس معالمها، ودثر مآذنها الشامخة في بطن التراب، بل يعمد إلى المزيد، فيُشير "أبو عطايا" إلى ممارسات أخطر تقضي باستهداف المقابر الإسلامية، ونبش قبورها وتسويتها بمستوى البصر، وطحن ما تحتضنه من هياكل عظمية، قائلاً: "دولة الاحتلال الصهيوني هدمت مقابر، وطمست وزورت شواهد الموتى، وأحللت مكانهم شواهد وقبورًا وهمية لصهاينة لتثبت أحقيتها بالأرض والتاريخ"، وأضاف: "إنها في مرحلة ثانية أنشأت على أنقاض القبور الإسلامية التاريخية شققًا سكنية، وشقت طرقًا، وأقامت مواقف للسيارات، وعبدت مدنًا استيطانية. سياسة ممنهجة تثبت معطيات الممارسات الصهيونية من حيث التخطيط والتنفيذ أن دولة الاحتلال الصهيوني تسعى لفرض أمر واقع على الأرض والإنسان الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 48، و67، ويؤكد على ذلك "العقبي" قائلاً: "إن ممارسات الاحتلال متعمدة 100%، وضمن تخطيط محكم ونيّة مبيتة لطمس المعالم الإسلامية، سواء المقابر أو المساجد التي تُعد شاهدًا حيًّا، ودليلاً عينيًا للتاريخ والحضارة التي كانت تُعمر البلاد"، وعاد ليؤكد أن دولة الاحتلال تهدف لإنشاء تاريخ عبري موهوم؛ ليحقق تفاصيل المشروع الصهيوني القائم على إلغاء الغير، وإحلال الصهيوني محله، قائلاً: "هم يريدون طرد الفلسطيني والمقدسي والعربي من هذه البلاد، وإحلال الغرباء الذين استُجلبوا من كل أنحاء العالم على هذه الأرض". ويقوم الاحتلال الإسرائيلي بخطوات تهويدية ممنهجة، حيث تقوم أجهزة دولة الاحتلال بمساندة تلك الممارسات من قبل المؤسسات القضائية باستصدار القوانين التي تيسر ذلك، إلى جانب تسخير المؤسسات الإعلامية ونشر الأكاذيب التوراتية، باعتبارها أذرعًا لتنفيذ المشروع الصهيوني الكبير. وفي هذا الصدد يقول "أبو عطايا": لا يمكننا مع الخبث الصهيوني في تنفيذ التهويد بحلة القانون إلا أن نجتهد في الاعتراض عبر محامي مؤسسة الأقصى للتراث، ومحاولة الانتصار بتعطيل أو تأجيل المشاريع التهويدية التي يُقرها الكنيست، ويمنحها الشرعية القانونية عبر التصويت على قراراتها وقوانينها أمام المحكمة العليا، وبمزيد من السخط يؤكد أن بعض الاعتراضات والصدامات مع المحاكم الصهيونية تأتي بنتائج إيجابية، فتُعطل أو تُؤجل أو تُشوش، وتُحدث تغيرات تكون في صالح المشروع الإسلامي. جهود ومضايقات ويوضح الشيخ العقبي أن الحركة الإسلامية في النقب لا تمل في مجابهة ممارسات الاحتلال بطمس المعالم الإسلامية والتاريخية، وإظهارها للعالم بثوب يهودي مزيف، ففي كل منطقة نائية ورَبْع ومَضرب تعمد إلى بناء مصلى؛ ليقيم فيه الفلسطينيون صلواتهم، ويعلو أذان: الله أكبر. ويقول: "إن الحركة الإسلامية تسعى لتثبيت الوجه الإسلامي لمدن النقب وقراها ومضاربها، ولا تألو جهدًا لإنشاء مصليات بدلاً من المساجد التي هدمتها قوات الاحتلال، وأضاف في حديثه لـ"القدس أون لاين": "إن كل محاولة منهم لبناء مصلى يقاومها الاحتلال بهدم المصلى، بل وملاحقة الحركة بالتغريم، واعتقال قياداتها ومقاضاتهم أمام المحاكم الصهيونية". ويؤكد "أبو عطايا" أن حالة الانتصار الجزئي التي تحصدها مؤسسة الأقصى تقود دولة الاحتلال إلى توسيع حيز الاستعمال للقوانين التهويدية، مشيرًا إلى أن المؤسسة الصهيونية شرعت مؤخرًا في تنفيذ مشروع تقسيم الأقصى ومناطق الهيكل المزعوم، استنادًا لقوانين وأحكام تنفيذية من المحكمة العليا التي تُقر بأن ساحاته عامة، وأضاف: "إنها أتقنت في وقت سابق الاستعمال القانوني لفرض أهدافها التهويدية والمدمرة بمصادرة الأوقاف الإسلامية عن طريق ما يسمى بقانون أملاك الغائبين. ويشدد الشيخ أسامة العقبي أن حالة الالتئام الشعبي تصد ممارسات الاحتلال، مؤكدًا أن ذلك وضح جليًا في مسيرات منع مهرجان الخمور في المسجد الكبير في بئر السبع، حيث امتثلت دولة الاحتلال والمؤسسات المنظمة للمهرجان للإرادة الشعبية ومناشدات القيادات والفعاليات في النقب والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48 عمومًا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار