الجمعة، 19 نوفمبر 2010

ما معنى جدار الفصل تحليل ونقد للكاتب الصحفى محسن هاشم

بقلم محسن هاشم
نسلط الضوء على الأوضاع المأساوية القائمة في المناطق الفلسطينية أن منظومة التمييز والقمع التي تطبقها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني واقتصاده، تُـذكر بنظام الفصل العنصري "الأبارتـهايد"، الذي كان قائما في جنوب إفريقيا. ذلك أن إسرائيل تفرض على الفلسطينيين أن يتنقلوا بواسطة حافلات غير الحافلات التي يستخدمها الإسرائيليون وتجبرهم على استخدام طرق وشوارع محددة. وإذا صادف أن أقدم فلسطيني على السير في طريق مخصص للإسرائيليين فليس من المستبعد أن يزج به في السجن مدة ستة أشهر. وحتى لون أرقام السيارات التي يملكها الفلسطينيون يختلف عن لون السيارات التي يملكها الإسرائيليون. كما أن الرواتب مختلفة بشكل كبير. ففي الوقت الذي يزيد فيه متوسط رواتب الإسرائيليين علي ألفي دولار، يَـعتبر الفلسطيني نفسه محظوظا إذا وجد عملا بمرتب شهري قدره خمسمائة دولار. وبالإضافة إلى ذلك يعاني الفلسطينيون من نقص كبير في مخصصاتهم من المياه، هذه المادة التي تعتبر أهم مقومات الحياة في تلك الأرض المعروفة بشحة مياهها. حيث تفيد معطيات السلطة الفلسطينية أن الفرد الإسرائيلي يحصل على كمية من المياه تفوق بأربعين ضعفا حصة الفرد الفلسطيني. وتبرز المجلة أن المفاوضات التي امتدت على مدى نصف قرن بين العرب الفلسطينيين واليهود لم تفض حتى الآن إلى أية نتيجة إيجابية، بل على العكس من ذلك، يبدو أن العداء المتبادل يزداد وتزداد معه المطالب التي يطالب بها كل من الطرفين الطرف الآخر. الأمر الذي يدفع للاعتقاد بأن النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي لن ينتهي إلى أبد الآبدين. وتضيف المجلة أنه بعد عملية "الرصاص المصبوب" وحصار قطاع غزة ومهاجمة سفينة "مرمرة" التركية التي كانت محملة بمساعدات إنسانية لسكان القطاع، ترسخت سمعة إسرائيل كدولة تنتهك حقوق الإنسان ودولة عدوانية تمنع إحلال السلام وتكوين الدولة الفلسطينية التي طال انتظارها. ويعبر الكاتب عن قناعته بأن ما يزيد من معاناة الشعب الفلسطيني ويطيل أمدها هو أن القيادة الفلسطينية لا تسعى في حقيقة الأمر إلى تكوين الدولة الفلسطينية المنشودة. فقد جعلت السلطة الفلسطينية "دور الضحية" عنصرا أساسيا في سياستها. ومن الواضح أن التخلي عن "الدور" المذكور لا يفيد السلطة الفلسطينية وخاصة من الناحية الاقتصادية. والسبب في ذلك يكمن في أن الرئيس محمود عباس ومعاونيه غير قادرين على تسير أمور المؤسسات الحكومية وعلى تحمل المسؤوليات التي تنجم عن قيام الدولة. من هنا فإن الوضع القائم حاليا، يعتبر مثاليا بالنسبة للقيادة الفلسطينية .فالسلطة هي المتلقي الشرعي للمساعدات الدولية. لكنها في الوقت ذاته لا تتحمل المسؤولية عن الأوضاع الاقتصادية التي يعيشها شعبها. ويلفت الكاتب إلى أن الموازنة الفلسطينية، تصل في الوقت الراهن حسب بعض المعطيات إلى نحو ملياري دولار .وتشكل المساعداتُ التي يقدمها الاتحاد الأوروبي للفلسطينيين ثلاثة أرباع تلك الموازنة، وأما الربع الأخير من الموازنة فيتألف من الضرائب ومن الرسوم الجمركية التي تجمعها إسرائيل من حركة البضائع من وإلى المناطق الفلسطينية، ولا تمر هذه الأموال عبر مؤسسات السلطة الفلسطينية. وتجدر الإشارة إلى أن مئات ملايين الدولارات التي تتبرع بها الجمعيات الخيرية الإسلامية للشعب الفلسطيني لا تدخل في الموازنة. وبهذا وطبقا للمعطيات الرسمية الإسرائيلية فإن حصة كل فلسطيني من الناتج الإجمالي المحلي تفوق نظيراتها في جميع الدول العربية غير النفطية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن غالبية الشعب الفلسطيني لا تستفيد من الأموال التي تدخل إلى منطقة الحكم الذاتي. لأن تلك الأموال لا تستخدم في تدعيم ركائز مؤسسات الدولة القائمة حاليا ولا في إنشاء البنية التحتية الضرورية لتنظيم حياة الشعب الفلسطيني. وبالإضافة إلى ذلك فإن ضعف أداء أجهزة السلطة الفلسطينية يتجلى بشكل أكثر وضوحا في القطاع الزراعي مقارنة بغيره من القطاعات الاقتصادية الأخرى. ويبررالفلسطينيون فشلهم في إنماء القطاع الزراعي بأن إسرائيل لا تترك للمزارعين الفلسطينيين إلا الحد الأدنى من الموارد المائية وأنظمة الري وتمنعهم من حفر الآبار الإرتوازية. ومن اللافت أن الإسرائيليين يعترفون بتلك التهم، لكنهم يعزون ذلك لجملة من الأسباب. وتوضيحا للموقف الإسرائيلي من هذه القضية تستعين المجلة برئيس كتلة حزب "إسرائيل بيتنا" في الكنيست روبرت إلاتوف الذي أوضح أن استخراج المياه ونقلها مكلف بالنسبة لإسرائيل. وأضاف أن إسرائيل تعطي الفلسطينيين كميات المياه المنصوص عليها في الاتفاقيات الموقعة معهم بهذا الشأن، فإذا كانوا غير راضين عن هذه الكميات ويرغبون في الحصول على كميات إضافية، فإن إسرائيل مستعدة لتوقيع اتفاقيات جديدة معهم لبناء محطات تحلية، وتطوير البنية التحتية المائية. وفيما يتعلق بحفر الآبار الإرتوازية، فإن الإسرائيليين أيضا ممنوعين من حفرها بدون تراخيص خاصة ،وللحصول على تلك التراخيص ينبغي التوجه إلى دائرة الموارد المائية الإسرائيلية. ودعى إلاتوف المسؤولين الفلسطينيين إلى الكف عن اختلاس الأموال التي تصلهم وصرفها على بناء البنية التحتية اللازمة لاستهلاك المياه وتحسينها. كما ينبغي عليهم بناء شبكات الصرف الصحي. فالفلسطينيون لم يمدوا أنبوبا واحدا للصرف الصحي حتى الآن. الأمر الذي يجعل كل مخلفاتهم تتسرب إلى المياه التي يشربها الإسرائيليون. ويلاحظ الكاتب أن السلطة الفلسطينية عند إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، سوف تجد نفسها مضطرة ليس فقط لمد شبكات توزيع المياه وشبكات الصرف الصحي، بل وإلى بناء المناطق الصناعية والجمركية وإنشاء أنظمة الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي والمؤسسات التعليمية وغير ذلك الكثير من المرافق الأخرى. لكن الجميع بمن فيهم المواطنون الفلسطينيون لا يثقون بأن السلطة سوف تفعل ذلك. ولتأكيد وجهة نظره هذه، يستشهد الكاتب بالخبيرة الإسرائيلية في مجال حقوق الإنسان نتالي تامارين التي تؤكد أن استطلاعات الرأي العلنية تظهر أن الفلسطينيين يرغبون في إقامة دولتهم المستقلة .إما عندما أجري استطلاع سري لآراء الفسلطينيين واطرح عليهم السؤال التالي: في أي دولة تريد أن تعيش بعد التقسيم؟ أجاب ثمانية وثمانون بالمائة من الذين شاركوا في الإستطلاع بأنهم يفضلون البقاء في الدولة العبرية. وتضيف تالي تامارين أنه في حال حدوث تغيير في الحدود سوف تُـترك للعرب الذين يعيشون في إسرائيل بما فيهم سكان القدس حرية اختيار المواطنة التي يفضلون في غضون عامين. وهذا الامر تقتضيه قوانين حقوق الإنسان الخاصة بحق الاختيار. وتتابع الخبيرة الإسرائيلية متسائلة: لماذا سيكون على الفلسطينيين أن يعيشوا في دولة ينتشر فيها الفساد ولا يضمن لهم أحد الحق في الحياة الكريمة والأمن والتعلم والخدمات الطبية؟ ويشير الكاتب إلى نكتة يتم تداولها بين الإسرائيليين، تقول إن حل القضية الفلسطينية لن يتم وفق معادلة "الأرض مقابل السلام" بل وفق معادلة "الأرض مقابل السكان " ويرى الكاتب أن المفارقة تكمن في أن إسرائيل هي الجانب الوحيد المهتم قولا وعملا بإيجاد حل حقيقي للنزاع العربي الإسرائيلي. ذلك أن تل أبيب عندما ترفض التفاوض مع الفلسطينيين، فإنها تجد نفسها مضطرة إلى التركيز على استخدام القوة للحفاظ على أمنها. الأمر الذي يؤدي إلى هضم حقوق الفلسطينيين بشكل أوسع. وكلما طال النزاع تزداد خسائر الجانب الإسرائيلي على الصعيدين المادي والنفسي، وتزداد صورتها تشوها في العالم .وتزداد تلك الخسائر مع مرور الوقت، ومع ازدياد المحاولات الإسرائيلية لإرضاخ الفلسطينيين بالقوة، ناهيك عن أن المجتمع الإسرائيلي لم يعد قادرا على العيش في ظروف الخوف الدائم من التهديدات المحتملة. ويبرز الكاتب بهذا الشأن أن الخبراء الإسرائيليين في المجال الأمني، يعترفون بأنه لا يمكن التوصل إلى سلام واستقرار حقيقيين عن طريق القوة. وينقل الكاتب عن نائب في الكنيست الإسرائيلي، فضل عدم الإفصاح عن اسمه، أن غالبية اليساريين، الذين يسميهم الإسرائيليون بالمسالمين، هم من منتسبي الأجهزة الأمنية الذين كانوا يقتلون العرب بأعداد كبيرة. فمن أبرز هؤلاء تسيبي ليفني التي كانت تخدم في "الموساد"، وشاؤول موفاز الذي كان رئيسا للأركان العامة الإسرائيلية وإيهود باراك الذي كان قائدا لفرقة النخبة "ساييريت ماتكال " فهؤلاء الأشخاص، حسب رأي النائب لم يكونوا "مسالمين" بالفطرة، بل إنهم عرفوا حقيقة الأمور فادركوا أنه ينبغي تقديم تنازلات للعرب. وأدركوا كذلك أن إسرائيل لن تستطيع المحافظة على تفوقها العسكري على العرب لفترة طويلة. وعزى النائب ذلك إلى أن ثلث الأطفال الذين يدرسون في الصف الأول في المدارس الإسرائيلية هم من العرب، وأما الثلث الثاني فيتألف من المتدينين الذين يرفضون الخدمة في الجيش بحكم معتقداتهم. وبهذا فإن الجيش الإسرائيلي بعد ثمانية عشر عاما، لن يجد من يرغب في الخدمة في صفوفه. ويلفت الكاتب إلى أن إسرائيل سوف تجد نفسها في وضع لا تستطيع في ظله تحقيق السلام، حتى وإن تخلت عن فكرة فرض الحل باستخدام القوة. ذلك أن الساحة الفلسطينية تفتقر إلى الشركاء القادرين على التفاوض على سلام حقيقي. لأنه ليس ثمة شخص بين الفلسطينيين قادر على التحدث باسم جميع الفلسطينيين مثل ياسر عرفات. وبهذا الخصوص، يورد الكاتب ما قاله عضو الكنيست روبرت تيفياييف من أن إسرائيل لا تجد من تتفاوض معه في الجانب الفلسطيني. ذلك أن حماس منظمة قوية لكنها لا تعترف بإسرائيل. أما محمود عباس الذي يمكن التفاوض معه فضعيف. ويعود الكاتب إلى النائب الإسرائيلي روبرت إلاتوف الذي أشار إلى أن جميع المنظمات الفلسطينية، الشرعية منها والإرهابية، لا تعترف بمحمود عباس قائدا لها. وهو غير قادر على السيطرة حتى على تلك المناطق التي وضعتها تل أبيب تحت تصرفه. ولولا إسرائيل لأصبحت الضفة الغربية في قبضة حماس ولقتل مسلحو حماس قادة فتح ورموهم من أسطح المباني من الطابق التاسع كما فعلوا في غزة عام ألفين وسبعة. وتلفت المجلة إلى أن المستوطنين باتوا يشكلون عقبة كبيرة على طريق السلام. فبعد حرب عام 1967 لم تقدم اسرائيل على ضم كافة الاراضي التي احتلتها واستعاضت عن ذلك ببناء مستوطنات على أراضي الضفة الغربية. ولقد وصل عدد المستوطنين الذين يعيشون في الضفة الغربية في الوقت الراهن إلى أكثر من ثلاثمائة وثمانين ألف مستوطن. وهؤلاء من أشد الاسرائيليين عداوة للعرب. ولهذا ينظر البعض في إسرائيل إلى المستوطين على أنهم خط الدفاع الأول عن البلاد. أما أولئك الإسرائيليون الذي يؤيدون إجراء مفاوضات مع العرب، فيرون في المستوطنين واحدة من العقبات الأساسية على طريق تحقيق السلام. ويوضح الكاتب أنه عندما يتم التوصل إلى اتفاقية سلام مع الفلسطينيين، وتعترف إسرائيل بسيادة الفلسطينيين على الأراضي التي احتلت عام سبعة وستين، سيتعين على إسرائيل أن تفكك المستوطنات، وأن تُـخرج أولئك المستوطنين الذين حولوا على مدى أربعين عاما من العمل الدؤوب، حولوا تلك الأراضي الصخرية القاحلة إلى حدائق غناء. ومن الطبيعي أن هؤلاء لن يتخلوا عن تلك الاراضي بسهولة. الأمر الذي قد يتسبب بوقوع صدامات معهم وهذا الصدام براي بعض المحللين، قد يصبح سببا في اندلاع حرب أهلية في اسرائيل. ويشير الكاتب إلى أن هذا السيناريو ليس خياليا كما يبدو للوهلة الأولى فقد سبق أن حصل شيء من هذا القبيل. إذ لا تزال ماثلة في الذاكرة تلك الصدامات والاحتجاجات التي رافقت إخلاء المستوطنين من قطاع غزة. علما بأن عدد أولئك المستوطنين لم يكن يتجاوز العشرة آلاف نسمة، أي أقل من عدد المستوطنين في الضفة الغربية بأربعين مرة تقريبا. ويضيف الكاتب أن لِـمشكلة إخلاء المستوطنين بعدا اقتصاديا أيضا. ذلك أن حوالي نصف المستوطنين الذين سحبوا من غزة لم تترتب اوضاعهم حتى الآن. وهنا يبرز تساؤل ما إذا كان باستطاعة الاقتصاد الإسرائيلي أن يتحمل تبعات الإبعاد الجماعي للمستوطنين من الضفة الغربية. وفي هذا السياق، تنقل المجلة عن أحد كبار المسؤولين في الخارجية الاسرائيلية أن هذين العاملين تحديدا، يدفعان الحكومة الإسرائيلية الحالية إلى إطالة أمد العملية السلمية إلى أقصى حد ممكن. فثمة بين الإسرائيليين من يرى أن التوصل إلى اتفاقية سلام في الوقت الراهن سيكون بمثابة الولادة المبكرة التي تنضوي على مخاطر بالنسبة لكل من الام والوليد. لكن المؤيدين المتحمسين للحل السلمي يرون أنه في ظل غياب المفاوضات، يجب أن لا يتوقف الحوار الفلسطيني الاسرائيلي. ويصب في هذا السياق موقف روبرت إيلاتوف، الذي يرى أن المفاوضات المباشرة هي السبيل الوحيد الصحيح للتوصل إلى سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ذلك أن المفاوضات غير المباشرة تسمح بتدخل أطراف أخرى. وما أن تدخل على الخط أطراف ثالثة حتى يبدأ الفلسطينيون بممارسة ألاعيب غير مفهومة. ويرى إيلاتوف ان الحل يكمن في تطوير التعاون التجاري بين الشعبين وتحسين الاوضاع الاجتماعية على الاراضي الفلسطينية والتوقف عن تعليم الاطفال كراهية إسرائيل. واعتبر المحلل الإسرائيلي أن التوصل الى سلام حقيقي يتطلب أن يعيش جيلان على الأقل من الشعبين في اجواء من السلم والاحترام المتبادل. وبالتزامن مع تجدد عملية السلام من الضروري المباشرة في تسويق خطة جديدة غير تقليدية لحل النزاع. واذا ما تقدمت الامور حسب الخطة فإن هذا السيناريو كفيل بتحقيق السلام لاسرائيل دون الحاجة لتقديم تنازلات بما في ذلك خسارة مساحات من الاراضي. ذلك ان أكثر من خمسين بالمئة من أراضي إسرائيل تشكل ما يعرف بمنطقة "ج" أي الاراضي الخاضعة للسيطرة الاسرائيلية الكاملة ويمنع على الفلسطينيين استخدامها. وبإمكان إسرائيل أن تستحوذ على المزيد من الأراضي عن طريق شراء أراضي من الفلسطينيين بوسائل وطرق غير علنية. ويضرب الكاتب مثلا على كيفية تحقيق الخطة التي أشار إليها إيلاتوف فيقول إن مواطنا فلسطينيا يدعى حكيم يحكي بحزن كيف أنه يملك هو وعائلته منذ وقت طويل ما يزيد على خمسين دونما من الأرض. لكنه لا يستطيع أن يجني منها أية أرباح. وهو بما يملك من ثروة يعيش حالة من الفقر والحرمان. ويؤكد حكيم أنه لن يبيع أية قطعة من أرضه لليهود مهما بلغ من العوز، لأن هؤلاء بالنسبة له أعداء. ويؤكد الكاتب أن هناك الكثير من الفلسطينيين يعيشون حالات مشابهة لحالة حكيم. لكن هناك من يضطر للبيع بسبب شدة الضغوط والحاجة المالية. أما إذا عرف العرب بأن أحدا ما باع أرضه لليهود فليس من المستبعد أن يكون مصيره القتل. ويلفت الكاتب إلى أن اليهود يستغلون أوضاع الفلسطينيين ويعرضون عليهم شراء أراضيهم مقابل إغراءات مالية وحتى معنوية. كأن يدفعوا ثمن الأرض مباشرة ويؤجلوا المباشرة في استغلال الأرض لعدة سنوات. ويسمحوا للبائع الفلسطيني بأن يتظاهر أمام أهل القرية بمعارضة الاستيلاء على أراضيه كما لو أن الامر يتم رغما عنه. وبهذا يحقق كل من الطرفين ما أراد. فالبائع الفلسطيني يحصل على المال ولا يخسر سمعته. والمشتري اليهودي يحتفظ بالأرض إلى أن يحين وقت ترسيم حدود الدولة. وفي كل الأحوال يبقى بناء الجدار العازل الذي يفصل الأراضي الاسرائيلية عن أراضي الضفة الغربية عنصرا رئيسيا في الاستراتيجية الإسرائيلية. ويبقى الخطاب الرسمي الاسرائيلي للعالم بان الجدار يأتي في اطار الضرورات الامنية. لكن الحقيقة تكمن في أن الجدار يحطم كل ما يقف في طريقه ويحطم كذلك فرص التوصل إلى حل عادل لهذا النزاع المزمن. ذلك أن مسار الجدار يوفر الجهد على المستوطنين الذين يتسللون الى الاراضي الفلسطينية. فهو يبتلع التجمعات الاستيطانية الكبرى مثل "ارييل" و"غوش ايتسيون" وغيرهما.. اضافة الى أنه بحسب بعض المعلومات سيبتلع شريطا من المستوطنات الاسرائيلية يمتد على طول الحدود مع الاردن. وفي هذه الحالة لن يتوجب على اسرائيل الا الاستغناء عن بعض التجمعات الاستيطانية الصغيرة الواقعة في عمق الجيوب الفلسطينية. ومن الواضح أن الإسرائيليين يرون في الجدار وسيلة للاستغناء عن وجود شريك للسلام. فاسرائيل لن تحتاج للتعامل مع قائد وطني فلسطيني يحظى بالاجماع ويسعى للحصول على التاييد لتوقيع اتفاقية السلام. فالهدف من إقامة الجدار لا يقتصر على فصل الضفة الغربية عن اسرائيل. بل يشمل تقسيم الاراضي الفلسطينية الى عدة جيوب غير مترابطة فيما بينها. ما يعني ان ادارة الاراضي الفلسطينية من جانب الحكومة في رام الله ستكون صعبة للغاية. وبالتالي سيكون هناك قيادة ذاتية مستقلة في كل جيب على حدة يمكن لاسرائيل ان تجري مباحثات معها بشكل مباشر وان تطرح عليها مقابل السلام الحصول على تسهيلات وامتيازات اقتصادية كتصاريح للعمل في اسرائيل لاولئك الذين يعيشون في الجيوب التي نجحت اسرائيل في اخضاعها. وفي هذه الحالة سيكون السكان العرب مضطرين لاظهار ولائهم لاسرائيل، وهذا الولاء سوف تدعمه حقيقة أن الاراضي الفلسطينية ستكون منفصلة عن الاردن بفعل الجدار ولوجود شريط من الاراضي الاسرائيلية بعد الجدار يشكل عازلا بين الاراضي الفلسطينية والاردنية. وهذا سيمنع وصول السلاح والاموال والعناصر المتطرفة القادمة من مخيمات اللاجئين في الاردن. وربما تكون هناك امكانية في المستقبل لهدم الجدار في المناطق الفلسطينية الموالية لاسرائيل ودمجها مجددا بالاراضي الاسرائيلية. وعندها سيكون بمقدور الاسرائيليين العيش بسلام على الارض المقدسة لاول مرة منذ ألفي عام كما يعتقد المتفائلون من الإسرائيليين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار