الخميس، 8 ديسمبر 2011

ملف خاص عن اللتهويد عن عام2011

بقلم الصحفى والاعلامى محسن هام
يرصد هذا التقرير تطوّر الأحداث في مدينة القدس على المستويين الميداني والسياسي خلال ثلاثة شهور، ويُقدّم التقرير قراءةً منهجيّة لهذه الأحداث تضعها في سياق الصراع بين مشروعٍ تهويديّ شامل يطال مختلف جوانب الحياة في المدينة، تُنفذه وترعاه دولة الاحتلال والجمعيّات المرتبطة بها، وبين محاولات مقاومة هذا المشروع من قبل المقدسيّين المعتمدين على قدراتهم الذاتيّة وقليلٍ من الدعم الخارجيّ.
ويتتبع التقرير التطوّر الميدانيّ لمشروع تهويد المدينة ومحاولات مقاومته من خلال مسارين أساسيّين، هما
التهويد الدينيّ والثقافيّ: ويشتمل هذا المسار على محاولات تغيير هويّة المسجد الأقصى والبلدة القديمة في القدس من خلال الحفريّات الهادفة لبناء مدينة تاريخيّة يهوديّة أسفل المسجد الأقصى ومحيطه، ومن خلال بناء الكنس والمتاحف، فضلاً عن محاولة نزع الحصريّة الإسلاميّة للمسجد الأقصى، وتحويله من معلمٍ إسلاميّ إلى موقعٍ دينيّ مشترك مفتوحٍ أمام أتباع الديانات كافّة. يُضاف إلى ذلك محاولة تغيير الطابع السكاني العربيّ للمنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى والبلدة القديمة إلى طابعٍ يهوديّ، وتهجير سكان هذه المنطقة العرب إلى الأطراف. كما يشتمل هذا المسار على محاولة تسويق القدس سياحيًّا كـ"عاصمةٍ يهوديّة"، وذلك من خلال المهرجانات والاحتفالات، وتشجيع السياحة؛ بهدف البحث عن الآثار وبناء المتاحف اليهوديّة في سائر أرجاء المدينة.
التهويد الديموغرافيّ: ويشتمل هذا المسار على مجالين أساسيين؛ الأوّل: هو محاولات زيادة عدد المستوطنين اليهود في المدينة من خلال بناء المستوطنات وتوسعتها، وتقديم تسهيلات لمختلف الفئات للسكن في القدس، ونقل مؤسسات الدولة المركزيّة إلى المدينة، وتشجيع بناء المصانع، ومراكز الشركات عالية التقنية في مركز المدينة لجذب اليد العاملة.
أمّا المجال الثاني فهو محاولة تهجير السكّان المقدسيّين من خلال سحب بطاقات الإقامة ومصادرة الأراضي والعقارات وفرض ظروف معيشية واقتصاديّة صعبة عليهم، فضلاً عن بناء الجدار العازل.
أمّا التطوّر السياسيّ لمشروع التهويد فيتتبعه التقرير من خلال متابعة المواقف السياسيّة لأبرز الجهات الفاعلة في القدس والمؤثرة فيها وهي دولة الاحتلال والسلطة الفلسطينيّة وفصائل المقاومة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومن بعدهم الدول العربيّة وبعض الدول الإسلاميّة. ويرصد التقرير مواقف هذه الأطراف
أوّلاً: تطوّر الموقف الميدانيّ في القدس:
ساحة البراق و"مدينة داود"، ممرّ آمن بعيدًا عن أعين المقدسيّين:
أعلنت سلطة الآثار في دولة الاحتلال في 25/1/2011 عن انتهاء العمل في نفقٍ يصل بين بركة سلوان في جنوب حيّ وادي الحلوة "مدينة داود"، والمدخل الجنوبي لساحة البراق. وكان العمل في هذا النفق قد بدأ عام 2004 بتمويلٍ من جمعيّة "العاد" اليمينية، بتنفيذ وإشراف سلطة الآثار في دولة الاحتلال. يبلغ طول النفق حوالي 700 متر ويدعي الاحتلال أنّ تاريخه يعود لعهد "المعبد الثاني" وهو يبدأ في الطرف الجنوبيّ بطريقٍ واسع "الطريق الهيروديانيّ" ثم يضيق بعدها ليُصبح أشبه بقناة مياه "قناة التصريف" وهو يُعدّ أطول الأنفاق التي حفرها الاحتلال حتى الآن في محيط المسجد الأقصى ويسير أسفل أسوار البلدة القديمة، وأسفل بيوت السكان المقدسيّين في حيّ وادي الحلوة، وقد حاول سكّان الحيّ وقف العمل في هذا النفق أكثر من مرّة بعد أن تسببت الحفريّات في تصدع جدران منازلهم وخلخلة أساساتها، إلا أنّ المحكمة العليا في دولة الاحتلال رفضت في عام 2009 مطلبهم بشكلٍ نهائيّ وأقرّت استمرار الحفريّات. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّه خلال عمليّات الحفر تجنّبت سلطة الآثار العمل في المناطق الحساسة بشكلٍ مباشر (أسفل بيوت السكّان، وأسفل الحائط الغربي للمسجد الأقصى) وأوكلت هذه المهمّة لجمعيّات دينيّة يهوديّة ومن ثم تم توصيل الأجزاء ببعضها وذلك تجنّبًا لأي ضغط سياسيّ أو قانونيّ قد تواجهه الحفريّات.
الخطورة التي يُمثلها هذا النفق لا تقتصر على حجمه أو تهديده لبيوت المقدسيّين في أحد أهمّ الأحياء الملاصقة للمسجد الأقصى بل تتعدى ذلك إلى أنّه يُشكلّ صلة الوصل بين أقسام المدينة اليهوديّة التاريخية التي يبنيها الاحتلال أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه، فهو يصل بين حفريّات "مدينة داود" جنوبًا وشبكة أنفاق الحائط الغربيّ للمسجد الأقصى شمالاً.
في الوقت ذاته يُشكّل هذا النفق ممرًّا آمنًا للمستوطنين اليهود يُمكنهم من الوصول للمسجد الأقصى والبلدة القديمة دون المرور بالأحياء الفلسطينية، ما يُسهّل عليهم اقتحام المسجد الأقصى في أيّ وقتٍ أرادوا دون الاصطدام مع السكان المقدسيّين.
"المبكى الصغير" كنيس جديد على سور المسجد الأقصى:
يُعتبر اختراق الحيّ الإسلاميّ في البلدة القديمة وتثبيت معالم يهوديّة فيه أحد أبرز أولويّات الاحتلال والجمعيّات الاستيطانيّة اليهوديّة في القدس، وفي شهر كانون الثاني/يناير الماضي خطا الاحتلال خطوةً غير مسبوقة في هذا المجال إذ حوّل منطقة حوش الشهابي المجاورة لباب الحديد (أحد أبواب المسجد الأقصى في الجهة الغربيّة) إلى ساحةٍ شبه رسميّة لصلاة اليهود، ووضع لافتةٍ تعريفية تحمل الاسم العربيّ الصحيح للموقع لكنها تُعرّفه بالعبرية والإنجليزيّة على أنّه "المبكى الصغير"
وللتهرّب من أيّ ضغطٍ سياسيّ قد تحدثه هذه الخطوة أعلن الاحتلال بشكلٍ متزامن أنّ "المبكى الصغير" ليس موقعاً مقدّسًا رسميًّا بالنسبة له، وأنّ النشاطات الأخيرة في المكان هي من ترتيب البلديّة وجمعيّات دينيّة يرغب أعضاؤها في الصلاة في الموقع.
ويعود تاريخ مسألة حوش الشهابي إلى بداية سبعينيّات القرن الماضي حين بدأت الحفريّات أسفل الحائط الغربيّ للمسجد الأقصى ما تسبّب بتصدع أسس أحد الأبنية الموجودة في المكان، حينها نقلت بلديّة الاحتلال سكّانه إلى فندقٍ مجاور، ووضعت دعاماتٍ أسفل منه لتمنعه من الانهيار وأعادت العائلات إليه، عندها اعترض "مائير جيتز" الحاخام الرسميّ المسؤول عن حائط البراق "المبكى" على هذا الإجراء زاعمًا أن المساحة المكشوفة من السور الغربيّ للمسجد الأقصى في هذا الموقع هي أقدس من حائط البراق نفسه لأنّها أقرب إلى قبّة الصخرة "قدس الأقداس" وبالتالي يجب أن يُسمح لليهود بالصلاة عندها وأن توفّر لهم الظروف الملائمة لذلك، لكن رئيس بلديّة الاحتلال آنذاك "تيدي كوليك" رفض اعتراضه خوفًا من أن يُثير انهيار المبنى حفيظة الفلسطينيّين، خاصّة وأنّ الموقع يقع في عمق الحيّ الإسلاميّ.
ومنذ عدّة سنوات أصبح المتديّنون اليهود من جمعيّة "عطيرت كوهينيم" يُصلّون في الموقع كلّ يوم جمعة، وأنشأوا جمعيّة هدفها الوحيد تحويل هذا المكان إلى موقعٍ رسميّ لصلاة اليهود، وقد تمكنت الجمعيّة في شهر كانون الثاني/يناير بالتنسيق مع بلدية الاحتلال من إزالة الدعامات الحديديّة التي كانت تسند المباني في المكان لإفساح المجال أمام المصلين اليهود.
ولا يكمن التهديد الذي تُمثله هذه الخطوة في اللافتة أو حتى في صلاة المجموعة اليهوديّة في المكان، بل بالنتائج المترتبة على الوجود اليهوديّ الدائم في الموقع، فهم بالفعل بدأوا يُطالبون بتوسعة المكان وترميمه وتأمين الوصول إليه، ما يُهدّد وجود السكان المقدسيّين في المنطقة، ويفرض قيودًا على حركة المصلّين عبر باب الحديد.
سلوان والشيخ جرّاح اختراقٌ استيطانيّ وحرب استنزاف لتهجير السكّان:
تتركّز المواجهة اليوم في مدينة القدس في منطقة البلدة القديمة والأحياء العربيّة المحيطة بها خصوصًا حيّي سلوان جنوب المسجد الأقصى والشيخ جرّاح شمال البلدة القديمة. ويسعى الاحتلال من خلال استهداف هذين الحيّين بالتحديد لتحقيق مجموعةٍ من الأهداف هي:
•فصل المسجد الأقصى والبلدة القديمة عن المحيط الفلسطيني.
•قطع التواصل الجغرافيّ بين الأحياء العربيّة في الشمال والوسط والجنوب.
•تهجير السكّان المقدسيّين من مركز المدينة نحو الأطراف.
•تغيير الهويّة الدينيّة والسكانيّة لوسط القدس، لتصبح المنطقة ذات هويّة يهوديّة طاغية.
منذ أن أدرك الاحتلال أنّ هدفه القاضي بطرد السكّان المقدسيّين من المدينة وتحديد نسبتهم فيها ليس قابلاً للتطبيق، بدأ بالبحث عن استراتيجيّات أخرى للعمل تمكنه من حسم "الهويّة اليهوديّة" للمدينة مع التعايش في الوقت ذاته مع عدد كبيرٍ من السكّان العرب فيها. إحدى الاستراتيجيات التي اعتمدها الاحتلال كانت إعادة التوزيع الجغرافي للسكّان بحيث ينتقل الثقل السكاني العربيّ إلى الأطراف بدلاً من المركز، فيما يسكن المستوطنون اليهود في المركز ويطبعون المكان بهويّتهم الدينيّة والثقافيّة، من هنا دخل حيّا البستان والشيخ جرّاح في عين عاصفة التهويد بحيث أصبحا المركز الرئيس للمواجهات في المدينة.
وخلال الشهور الثلاثة الماضية شهد الحيّان تطوّرات كبيرة ومتسارعة كان أبرزها هدم الاحتلال "لفندق شيبرد" في حيّ الشيخ جرّاح يوم الأحد 9/1/2011، وذلك تمهيدًا لإقامة مجمع استيطانيّ يضمّ أكثر من 70 وحدةٍ سكنيّة على أرض الفندق التي تزيد مساحتها على 7 دونمات. وتعود ملكيّة فندق شبرد لمفتي القدس السابق الحاج أمين الحسيني وقد استولت دولة الاحتلال عليه وفق قانون أملاك الغائبين وباعته للملياردير اليهودي إيرفينغ ميسكوفتش الذي يُموّل معظم الأنشطة الاستيطانيّة في البلدة القديمة ومحيطها. وقد قدّمت عائلة الحسينيّ اعتراضًا قانونيًّا على استيلاء الاحتلال على ملكيّة الفندق والأرض المجاورة له إلا أن محكمة الاحتلال رفضته بعدها بيومين وقررت السماح ببدء البناء على الأرض. ويُعدّ هذا المشروع الاستيطانيّ الأكبر في محيط البلدة القديمة منذ أن أكمل الاحتلال استيلاءه على كامل القدس عام 1967.
وقد استنكرت الولايات المتحدة عمليّة الهدم على لسان وزيرة خارجيّتها التي قالت أن مضيّ إسرائيل في مشروعها لبناء مستوطنة مكان الفندق يقوّض جهود السلام في المنطقة، وكذلك فعلت كاثرين آشتون مسؤولة السياسات الخارجيّة في الاتحاد الأوروبي الي قالت: "نُدين بشدّة هدم فندق شيبرد ومخطط بناء مستوطنة غير قانونيّة في مكانه". وقد كان لوزيري خارجيّة مصر والأردن موقفٌ مشابه حين حذّرا من أن المضيّ قدمًا في هذا المشروع يُهدّد الاستقرار في المنطقة، وتبع هؤلاء الأمين العام للأمم المتحدة الذي "شجب هدم إسرائيل لفندق شيبرد"، قائلا: "إنّ ذلك من شأنه أن يزيد التوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليّين".
وقد ردّ رئيس وزراء الاحتلال على هذه الانتقادات قائلاً: "أنّه لا يمكن لحكومته أن تمنع اليهود من شراء العقارت في القدس، فكما يحقّ للعربي أن يشتري عقارات في الأحياء ذات الغالبيّة اليهوديّة، يحقّ لليهوديّ أن يشتري عقارات في الأحياء ذات الغالبيّة العربيّة".
لم يكد يمرّ شهر على هدم فندق شيبرد حتى أقرّت اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء في القدس بناء 13 وحدة سكنيّة على 4 قطع من الأرض في كبانيّة أم هارون في حيّ الشيخ جرّاح تقطنها عائلات السعو وشريتح والبشيتي وحسونة والخطيب وأبو دولة. ما يعني ضمنًا إخلاء هذه العائلات من منازلها وهدمها لإفساح المجال للبناء الاستيطانيّ.
وبحسب جمعيّة عير عميم المناهضة للنشاطات الاستيطانيّة فإنّ هناك 8 مخططات هيكلية للبناء الاستيطاني في حيّ الشيخ جراح تتداولها اللجنة المحلية واللوائية في بلدية الاحتلال في القدس وتستهدف بناء 326 وحدة على النحو التالي: 110 وحدات استيطانية على أرض فندق شبرد استصدرت التراخيص اللازمة والنهائية لـ20 وحدة منها، 200 وحدة في منطقة الصديق شمعون، 3 وحدات في منطقة عائلة السعو، 12 وحدة في البناية المقابلة لعائلة السعو، إضافة إلى مدرسة دينية في أرض كبانية أم هارون، ومركز تجاري خلف فندق ليجاسي وبالتحديد في أرض مقام عليها حاليا معرض للسيارات، بالإضافة إلى مشروع مستقبلي لبناء 350 وحدة في أرض كرم المفتي لم يقدم حتى الآن أي مخطط هيكلي بشأنه.
في ذات الوقت الذي كانت فيه بلديّة الاحتلال في القدس تُنفّذ أوامر الإخلاء والهدم في حيّ الشيخ جرّاح، رفض رئيسها "نير بركات" تنفيذ أمر قضائيّ بإخلاء بناء "بيت يوناتان" الاستيطانيّ في سلوان، بل وأعلن أنّه لا ينوي تنفيذ أمر الإخلاء على الرغم من مرور ما يُقارب سنتين ونصف على صدوره. وهكذا استمرّت هذه البؤرة الاستيطانيّة في سلوان في لعب دورها كمركزٍ لافتعال المواجهات واستفزاز السكّان المقدسيّين، فعلى مدار شهري شباط/فبراير وآذار/مارس كان المستوطنون في هذه البؤرة يفتعلون مواجهاتٍ مع السكّان المقدسيّين في كلّ يوم جمعة تتدخل على أثرها شرطة الاحتلال لحمايتهم، فتصيب وتعتقل عددًُا من الشبّان المقدسيّين في كلّ أسبوع. وفيما يبدو فإنّ استفزازت المستوطنين تكون بالتنسيق مع شرطة الاحتلال التي تتذرع بالمواجهات لاقتحام أحياء سلوان والاعتداء على الشبان فيها بشكلٍ دوريّ في محاولة لاستنزاف أهالي الحيّ ودفعهم للانتقال لتجنّب الاعتقالات والاشتباكات المستمرّة.
الاحتلال يحتوي الضغوط الدوليّة، ويستمرّ في توسيع مستوطناته شرقيّ القدس:
توقّف مفاوضات السلام بين السلطة الفلسطينية وسلطات الاحتلال أواخر العام الماضي، باشرت سلطات الاحتلال باستكمال مخططاتها الاستيطانية التوسعية في مدينة القدس، وقد شهدت الشهور الثلاثة الأولى من العام 2011 تطورين أساسيين في قضية الاستيطان.
التطور الأول تمثّل في قيام اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء في مدينة القدس في شباط/فبراير الفائت بإلغاء ثلاث خطط استيطانية عن جدول أعمالها تضمنت توسيع مستوطنتي "هارحوما" و"أرمون هاناتزيف" وشق طريق استيطاني سريع يربط مستوطنة "هارحوما" بمركز المدينة، وذكرت مصادر بلدية القدس أن إلغاء هذه الخطط عن جدول الأعمال هو لأسباب سياسية. إن تجميد العمل بهذه الخطط، بالرغم من استمرار التوسع الاستيطاني، هو مؤشر على تأثير الضغوطات الدولية بخصوص موضوع الاستيطان على الحكومة الإسرائيلية. لقد أدركت سلطات الاحتلال أن تجميد هذه الخطط، ولو بشكل مؤقت، لن يؤثر في الاستراتيجية الاستيطانية الشاملة للمدينة بقدر ما يمتص الاستنكار الدولي للتوسع الاستيطاني ويحسّن من موقف سلطات الاحتلال أمام المجتمع الدولي ويخفّف من الضغوطات المفروضة عليها. وبالفعل أُعيد جزء من هذه الخطط إلى الصدارة بعد تعديلها وتطويرها، فخطة توسيع مستوطنة هارحوما على سبيل المثال التي كانت قد طُرحت في شباط/فبراير اقتصرت على بناء 50 وحدة سكنية و9 أبنية للخدمات العامة، أما الخطة التي اقتُرحت في أواخر شهر آذار/مارس، بعد خفوت الصوت الدولي وانشغال المجتمع الدولي بالأحداث الساخنة في أفريقيا والشرق الأوسط، تضمنت بناء 983 وحدة استيطانية في المستوطنة ذاتها (أي أكثر من خمسة عشر ضعف الوحدات التي خُطّط لها سابقاً)، إضافة إلى 625 وحدة في مستوطنة "بسغات زائيف".
أمّا التطور الثاني فيتمثّل في موافقة اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء في مدينة القدس على إضافة 942 وحدة استيطانية لمستوطنة "جيلو" الواقعة جنوب مدينة القدس في بداية شهر نيسان/أبريل الجاري. وكانت الخطة قد عُرضت للمرة الأولى في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2009 ولاقت حينها شجباً واستنكاراً كبيرين من المجتمع الدولي وكل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا. وتعقيباً على هذه الموافقة، أعربت المتحدثة باسم الخارجية الأوروبية كاثرين آشتون عن خيبة أملها بهذا القرار معتبرة أن هذه الخطوة تفشل الجهود المبذولة لاستكمال مفاوضات السلام، وتزيد من تفاقم الوضع السياسي في المنطقة.
من جهتها اعتبرت بلدية الاحتلال في القدس الخطة قانونية لأن الوحدات السكنية ستُقام على أملاك خاصة، مع العلم أن المادة 46 من اتفاقية لاهاي الدولية تمنع مصادرة الأراضي ذات الملكية الخاصة، وتنص المادة 55 من الاتفاقية ذاتها على وجوب احترام الدول المحتلة للأملاك الخاصة.
إن تخطيط سلطات الاحتلال لتوسعة مستوطنة جيلو، الواقعة جنوب الجزء الغربي من القدس ، ومن قبلها المصادقة على توسيع مستوطنة "بسغات زائف" شمال الجزء الغربي من القدس في أواخر شهر كانون الثاني/يناير، هي مؤشرات على رغبة سلطات الاحتلال باستقطاب أكبر قدر ممكن من السكان اليهود للعيش في المدينة، خاصة أن سلطات الاحتلال تواجه اليوم هاجساً ديموغرافياً في ضوء التقديرات بأن تبلغ نسبة المقدسيين في المدينة 40% من مجمل السكان في العام 2020، وأن يخسر السكان اليهود الأغلبية الديمغرافية بحلول العام 2035 على اقصى تقدير. فهاتان المستوطنتان هما من المستوطنات البعيدة عن الأحياء العربية، ولا يترتب على سكانهما التنقّل ما بين الأحياء العربية للوصول إلى مركز المدينة، وبالتالي فإن وجود وحدات سكنية فيهما يجذب السكان للعيش في مدينة القدس بعكس حال المستوطنات الواقعة في الجزء الشرقي من القدس، وتحديداً مستوطنة "معاليه أدوميم"، التي تكاد تخلو من السكان ووجودها بين الأحياء العربية هو لأهداف جيوسياسية لا ديموغرافية.
القاعدة العسكريّة الأولى لجيش الاحتلال في القدس، على بعد مئات الأمتار من البلدة القديمة:
كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت في شهر شباط/فبراير الماضي أن وزارة الأمن الإسرائيلية تعمل على خطة ضخمة لبناء قاعدة لجيش الاحتلال الإسرائيلي في قلب مدينة القدس بمحاذاة مستشفى الأوغستا فيكتوريا، على قطعة أرض بمساحة 32 دونماً تقع بين جبل المشارف ووادي الجوز شمال شرق البلدة القديمة. وتتضمن الخطة نقل مبنى الكلية العسكرية ومبنى كلية الأمن القومي ومبنى مخصص لإقامة العسكريين في الكلية من منطقة غليلوت قرب تل أبيب إلى مدينة القدس.
إن نقل هذه القاعدة العسكرية إلى مدينة القدس يعني تواجد ما لا يقلّ عن 1,400 جندي من جيش الاحتلال بشكل دائم في مدينة القدس، بل تحديداً شرقي المدينة حيث تقع غالبية الأحياء العربية، وفي موقع مجاور للبلدة القديمة الحاضنة للمسجد الأقصى المبارك. كما أنه لم يسبق وجود قاعدة عسكرية إسرائيلية في مدينة القدس، واتخاذ هذه الخطوة في الظروف الراهنة هو مؤشر على أمرين مهمّين:
أولاً، أن سلطات الاحتلال ترى تقدّماً ملحوظاً على مستوى سيطرتها الجغرافية والقانونية والديمغرافية في المدينة، وأنه بات من الآمن إدراج مشاريع استيطانية كبرى في المدينة دون تعرّض أية جهة لهذه الخطط أو عرقلتها.
ثانياً، أن جعل مدينة القدس عاصمة لـ"إسرائيل" وتحقيق حلم "أورشليم" لم يعد بعيداً في العقل الصهيوني، ونقل هذه القاعدة العسكرية يبيّن رغبة سلطات الاحتلال بجعل القدس مركز ثقل اقتصادي وسياسي وعسكري في البلاد، بما يؤهلها مستقبلاً لتكون عاصمة فعلية لـ"إسرائيل".
الاحتلال يُحكم قبضته على قطاع التعليم العربيّ في القدس:
في منتصف شهر آذار/مارس أصدرت وزارة المعارف في دولة الاحتلال قرارًا يقضي بمنع استخدام المناهج الأردنيّة أو المناهج الفلسطينيّة الرسميّة في مدارس القدس جميعًا بما في ذلك مدارس الأوقاف والمدارس الأهليّة، فارضةً استبدالها بمناهج شبيهة بتلك المفروضة على العرب داخل الأراضي المحتلّة عام 1948، ولضمان تطبيق القرار منعت وزارة المعارف مدارس القدس من شراء الكتب المدرسيّة من غير إدارة بلديّة الاحتلال في القدس.
وتختلف المناهج المفروضة على الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلّة عام 1948 عن تلك الموجودة في القدس ومناطق السلطة الفلسطينيّة بأنّها تخضع لحذفٍ وتعديل من قبل الاحتلال بحيث تُعاد تسمية فلسطين "بإسرائيل" وتُعاد تسمية المواقع الجغرافيّة بأسمائها العبريّة، فضلاً عن فرض تدريس مقرراتٍ عن التاريخ اليهوديّ والمحرقة اليهوديّة وشخصيّات يهوديّة تاريخيّة.
ويعود تاريخ اتخاذ هذا القرار إلى عام 1997 حين كانت بلديّة الاحتلال برئاسة إيهود أولمرت تسعى إلى فصل قطاع التعليم العربيّ في المدينة عن السلطة الفلسطينيّة بشكلٍ كامل وذلك بحسب تصريحات المتحدث باسم البلديّة آنذاك والتي جاء فيها : "إننا نعلم أن المدرسین یستخدمون كتباً أردنیة وھذا الأمر سوف یمنع، وسیستخدمون الكتب التعلیمیة التي یستخدمھا العرب في إسرائيل...وذلك من أجل منع أي تدخل من جانب السلطة الفلسطینیة في إدارة وتنسیق مدارس القدس الشرقیة".
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ أكثر من 60% من الطلبة المقدسيّين يرتادون أصلاً مدارس تابعةً لبلديّة الاحتلال تُدرّس المنهاج الفلسطينيّ المعدّل، وهذا القرار جاء ليشمل الـ40% المتبقين الذين يرتادون المدارس التابعة للأوقاف أو لجهاتٍ أهليّة.
ثانيًا: تطوّر الموقف السياسيّ في القدس:
الوثائق السرية للمفاوضات حول القدس، خذوا ما أردتم واسمحوا لنا بالبقاء:
كشفت قناة الجزيرة الإخبارية في 23/1/2011 عن مجموعة من الوثائق السرية من سجلات التفاوض بين الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية، وتحدثت تلك الوثائق التي ضمّت آلاف المراسلات والمحاضر والعروض عن عروض فلسطينيّة غير مسبوقة للاحتلال في قضايا جوهرية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لا سيّما في قضيّة القدس. وكان أبرز ما أوردته الوثائق في هذا الإطار:
•استعداد السلطة الفلسطينيّة القبول بسيادة إسرائيليّة على حارة الشرف "الحيّ اليهوديّ" وأجزاء من الحيّ الأرمنيّ في البلدة القديمة.
•التنازل عن أراضٍ في حيّ الشيخ جرّاح شمال البلدة القديمة في القدس مقابل حصول الطرف الفلسطيني على أراضٍ بديلة في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948م.
•التخلي عن المطالبة بإزالة المستوطنات الإسرائيلية في الجزء الشرقي من القدس باستثناء مستوطنة جبل أبو غنيم "هار حوما"، مقابل مبادلةٍ للأرض بين الطرفين بنسبة 50:1.
•الموافقة على تأجيل النقاش حول المسجد الأقصى لوقت لاحق، وتقديم مقترحات أولية لتشكيل لجنة مشتركة للإشراف على المسجد الأقصى تضمن حريّة وصول المسلمين واليهود إلى المسجد الأقصى.
ويُظهر مسار الحوار الوارد في الوثائق أنّ المفاوض الفلسطينيّ قدّم كلّ هذه التنازلات في قضايا جوهريّة لم يسبق له التراجع عنها ، دون أن يكون الطرف الإسرائيليّ مستعدًّا حتى لطرح قضيّة القدس للنقاش في التفاوض الحاليّ أو المستقبليّ. وبدا كما لو أنّ المفاوض الفلسطينيّ يسعى وراء تحقيق وجودٍ رمزيّ له في القدس يحفظ له ماء وجهه ويُمكنه من تسويق الحلّ لدى جمهوره بغضّ النظر عن الواقع الذي تعيشه المدينة وأهلها ومدى الضرر الذي ستُلحقه هذه العروض السخيّة بهم.
إنّ هذه الرؤية وإن كان تطبيقها على أرض الواقع أقرب إلى المستحيل بسبب الرفض الشعبيّ الفلسطينيّ لها والتعنّت الإسرائيليّ، إلاّ أنّها تطرح أسئلةً جديّة حول مدى التزام المفاوض الفلسطينيّ بمصالح المقدسيّين ومدى تمسّكه بالمبادئ الأساسيّة للإجماع الشعبيّ الفلسطينيّ، وتدفع إلى الشكّ في قدرته بل ورغبته في تحصيل حقوق المقدسيّين وهو يُعدّ المسؤول الأوّل عنهم وعن تحصيل حقوقهم.
مبادرة السلام الإسرائيلية، القدس الكبرى عاصمة لدولتين ولا سيادة على المسجد الأقصى:
في 31 من آذار/مارس أطلقت مجموعة من رجال الأعمال والوزراء السابقين وضباط كبار متقاعدين من الجيش والأجهزة الأمنية "مبادرة السلام الإسرائيليّة" كردّ على المبادرة العربيّة للسلام التي أطلقها العرب في قمّة بيروت عام 2002، قدمت هذه المبادرة رؤيةً لحلّ المسائل الخلافيّة الأساسيّة بين السلطة الفلسطينيّة ودولة الاحتلال بما في ذلك موضوع القدس، وفي هذا الشأن نصّت المبادرة على ما يلي
"ستشمل منطقة القدس الكبرى عاصمتين لدولتين بحيث تُرسم الحدود فيها على الشكل التالي:
•الأحياء اليهوديّة ستبقى تحت السيطرة الإسرائيليّة، فيما ستنتقل السيطرة على الأحياء العربيّة إلى الفلسطينيّين.
•ستخضع البلدة القديمة لترتيبات خاصّة بحيث يخضع الحيّ اليهوديّ وحائط المبكى للسيطرة الإسرائيليّة، فيما سيوضع جبل المعبد ]المسجد الأقصى[ تحت نظامٍ لانعدام السيادة "سيادة ربانيّة" مع تطبيق إجراءاتٍ خاصّة متفقٍ عليها تضمن أن تُدار الأماكن الإسلاميّة المقدّسة من قبل دائرة الأوقاف الإسلاميّة، فيما تُدار الأماكن اليهوديّة المقدّسة والمصالح اليهوديّة في المكان من قبل إسرائيل، وسيُشرف على تطبيق هذه الإجراءات لجنة إسرائيليّة دوليّة مشتركة."
وفي تعقيب أوّليّ لحكومة الاحتلال على المبادرة قال المتحدث باسم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو: "إن هذه المبادرة تعكس رغبة الشعب الإسرائيلي بالسلام مع الشعب الفلسطيني...هذه الخطة، مثل سياسة الحكومة الإسرائيلية، مبنية على ضرورة عودة الطرف الفلسطيني الى التفاوض المباشر مع إسرائيل من أجل التوصل الى حل القضايا العالقة وإلى اتفاقية سلام".
أمّا الجانب الفلسطينيّ فقد تباينت ردود الأفعال لديه إذ رفضت حركتا حماس والجهاد الإسلاميّ المبادرة من أصلها، فيما قال المتحدث باسم حركة فتح بأنّها لا تزال غير رسميّة وبحاجة لتوضيحات تاركًا الباب مفتوحًا أمام قبولها أو رفضها في المستقبل.
ويبدو من النصّ السابق حول القدس، أنّ المبادرة تُقدّم رؤية شديدة الغموض والضبابيّة، فهي لا تُعرّف حدود منطقة القدس الكبرى، كما لا توضّح كيف يمكن تصنيف الأحياء بين عربيّة ويهوديّة، وماذا سيكون مصير الأحياء المختلطة والمستوطنات الموجودة داخل الأحياء العربيّة.
أمّا فيما خصّ المسجد الأقصى فمن الواضح أنّ المبادرة وإن كانت تنصّ على انعدام السيادة، إلاّ أنّها على أرض الواقع ستضع المكان تحت إشراف لجنةٍ إسرائيليّة، مع السماح للفلسطينيّين والمسلمين بالوصول إلى أماكنهم المقدّسة وفق ترتيباتٍ متفقٍ عليها مع إدارة الوقف لا مع السلطة الفلسطينيّة، وهي بذلك تتعامل مع المسلمين في مسجدهم كأقليّة يُسمح لها بممارسة شعائرها في موقعٍ مشترك وليس حصريّاً لها
هذه الرؤية في الواقع تُقدّم أقلّ بكثير مما عرُض على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في كامب ديفيد ورفضه، لكنها قريبةٍ إلى حدٍّ كبير مما نُشر في وثائق المفاوضات السريّة حول رؤية السلطة الفلسطينيّة حاليًّا للحلّ في القدس مما يؤشّر إلى إمكان قبولها في حال طرحتها حكومة الاحتلال بشكلٍ رسميّ وبدرجةٍ من الجديّة المقبولة لدى السلطة.
السكان العرب في القدس يفضلون البقاء في "إسرائيل" خوفًا من التهجير:
أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بيشتر لإحصاءات أن 35% من السكان العرب في مدينة القدس يفضلون أن يكونوا مواطنين في دولة الاحتلال مقابل 30% فقط يفضلون أن يكونوا مواطنين في الدولة الفلسطينية في حين أن الـ 35% الباقين فضلوا عدم الإجابة. وقد أظهر التقرير أن 27% فقط من السكان العرب مهتمون بنقل مكان إقامتهم إلى الدولة الفلسطينية في حال أصبحت أحياءهم جزءاً من دولة "إسرائيل"، ومن جهة أخرى فإن 40% من السكان أعلنوا رغبتهم بالانتقال إلى "إسرائيل" في حال أُعلنت أحياءهم الحالية جزءاً من دولة فلسطينية.
إن هذه النتائج المخيّبة للجانب الفلسطيني ما هي إلا نتيجة للتقصير الحاصل من قبل السلطة الفلسطينية وانعدام الخدمات المتوفرة للمواطنين الفلسطينيين، فقد كان من أهم الأسباب التي دفعت غالبية السكان العرب البقاء في حدود "إسرائيل" بحسب ما أشار الاستطلاع وجود فرص عمل والاستفادة من التأمين الصحي وارتفاع معدل الدخل الشهري عن المعدل في الأراضي الفلسطينية، في حين أن تفضيل 30% من السكان لأن يكونوا مواطنين فلسطينيين هو بدافع أسباب وطنية وقومية فحسب.
وبحسب الاستطلاع، فإن ما لا يقل عن 75% من السكان العرب يعتقدون أن هناك تمييز عنصري بين السكان العرب والسكان اليهود في المدينة، وأكثر من 30% من السكان العرب يرون في انتشار الجرائم في القدس الشرقية ووجود تهديدات مباشرة من المستوطنين اليهود مشاكل متفشية ومتفاقمة. إلا أنه في الوقت عينه، فإن غالبية السكان لا يفضلون أن يكونوا جزء من دولة فلسطينية وأكثر من 60% منهم يعتبرون خدمات بلدية الاحتلال والتأمين الصحي والتعويضات لذوي الاحتياجات الخاصة وغيرها من الخدمات التي يحصلون عليها بصفتهم من حملة بطاقات الهوية الإسرائيلية شديدة الأهمية بالنسبة لهم.
في ضوء ما سبق، يمكن الاستنتاج أن تفضيل القسم الأكبر من السكان العرب في القدس للانتماء لدولة "إسرائيل" عوضاً عن فلسطين لا ينبع بسبب إيمان هؤلاء السكان بالمشروع الصهيوني ولا حتى من اعتقادهم بأن سلطات الاحتلال تعاملهم والسكان اليهود سواسية. إلا ان هؤلاء السكان، وبرغم معاناتهم اليومية من الحواجز الإسرائيلية، وبرغم العراقيل التي تواجههم للحصول على رخص بناء، ودفعهم للضرائب الإسرائيلية كل عام، لا يزالون يرون في الخدمات والتسهيلات التي يحصلون عليها بسبب حملهم للبطاقات الزرقاء سبباً وجيهاً لأن يتمسّكوا بالبقاء في دولة "إسرائيل" في الوقت الذي قد لا يحصلون على هذه الانتفاعات والخدمات إن كانوا جزءاً من دولة فلسطينية.
لذلك فإن السلطة الفلسطينية مدعوة إلى تحمّل مسؤولياتها كاملة وعدم إهمال الخدمات المدنية والاجتماعية للسكان الفلسطينيين وخصوصاً المقيمين في القدس منهم، لأن سكان القدس هم أولى بالحصول على خدمات وتسهيلات من دولتهم وحكومتهم لا من حكومة الاحتلال التي تكنّ لهم العداء وتبحث يومياً في سبل تهجيرهم وطردهم من المدينة.
تفجير محطّة الحافلات في القدس، إدانة فلسطينيّة أقوى من الإسرائيليّة، والمنفذون مجهولون:
عصر يوم الأربعاء 23/3/2001 انفجرت عبوةٌ ناسفة في محطّة الحافلات المركزيّة في القدس، ما أدى إلى مقتل سيّدة وإصابة 30 آخرين بجروح. نتج الانفجار عن عبوة ناسفة لا يزيد وزنها عن 2 كلجم كانت موضوعة بجوار كابينة هاتف عموميّ مقابل المحطّة، وفور وقوعه أغلق الاحتلال مداخل القدس ونشر الحواجز على الطرق التي تصلها بسائر أنحاء الضفّة الغربيّة.
هذا الانفجار جاء بعد 3 سنواتٍ من الهدوء لم تشهد خلالها القدس أيّ هجماتٍ أو عمليّات مسلّحة، على الرغم من حجم الاعتداءات الكبير الذي تعرّضت له المدينة وأهلها من قبل الاحتلال خلال هذه الفترة. ولم يكن هناك ما يدلّ على مسؤوليّة أي فصيلٍ أو جهةٍ فلسطينية عنه.
وعلى الرغم من أن الانفجار جاء بعد يومٍ واحد من قصف إسرائيليّ لقطاع غزّة أدى إلى استشهاد 8 فلسطينيين وإصابة 20 آخرين، جاءت إدانة السلطة الفلسطينيّة له بلهجةٍ شديدة حاملةً في طيّاتها طابعًا دفاعيّاً واعتذاريًّا، ففور وقوع الانفجار اتصل الهلال الأحمر الفلسطينيّ بسلطات الاحتلال عارضًا خدماته للمساعدة في نقل الجرحى، بعدها بساعات أدان رئيس حكومة تصريف الأعمال سلام فياض التفجير قائلاً: " رغم أننا لا نملك معلومات كافية حول الانفجار، فإنّي أدين بشدّة هذا العمل الإرهابيّ بغض النظر عن الجهة التي تقف خلفه...وأتمنى الشفاء العاجل لكل الجرحى". كما أدان الرئيس الفلسطينيّ محمود عبّاس التفجير وهو في طريقه إلى العاصمة الروسيّة موسكو.
الأميركيّ باراك أوباما بدوره أدان التفجير معتبرًا ضمنًا أنّ جهةً فلسطينيّة تقف خلفه إذ قال:" أدين بأشدّ العبارات التفجير الذي وقع في القدس اليوم، كما أدين إطلاق الصواريخ والقذائف من قطاع غزّة...الولايات المتحدة تدعو المجوعات التي تقف خلف هذه الهجمات إلى وقفها فورًا، وتؤكد أن إسرائيل كما كلّ الأمم لها الحقّ في الدفاع عن نفسها".
وحتى تاريخ صدور هذا التقرير لم يتضح بعد الجهة التي وقفت خلف التفجير، إذ أنّ أيًّا من الفصائل الفلسطينيّة لم تتبنّاه، ولم يُعلن الاحتلال عن توقيف من يقفون خلفه. لكن السلوك الفلسطينيّ السياسيّ الذي صاحب الانفجار جعل الفلسطينيّين في موقع الدفاع على الرغم أن حقّ "الدفاع عن نفس" يجب أن يكون مضمونًا لهم كما لغيرهم وهم قد تعرضوا لهجماتٍ متلاحقة من قبل طيران الاحتلال في الأيّام التي سبقت الانفجار وتلته. وقد منح هذا السلوك الاحتلال دفعًا لزيادة وتيرة اعتداءاته في القدس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار