الأحد، 22 يناير 2012

الجدار والاستيطان يجعلان من منزل الحاج صبري سجنًا في الهواء الطلق

بقلم محسن هاشم
بصلابة وكبرياء يجلس على كرسيه الخشبي أمام منزله المتواضع المحاط بأشجار العنب والزيتون، وبعض أنواع الفاكهة، وذلك بحثًا عن دفء أشعة الشمس في برد شهر كانون الأول, وبينما تعد له الحاجة أم سمير
الشاي بالنعنع، يتجمع حوله الأحفاد الصغار بضحكاتهم المتعالية، وصراخهم البريء الذي يعج المكان بحيوية وروح خاصة تدل على احتضان بيت الجد والجدة للأبناء والأحفاد في كل الأوقات والمناسبات.
فعلى قمة جبل في قرية بيت إجزا، الواقعة شمال غربي القدس المحتلة، يقع منزل الحاج صبري غريب (أبوسمير)، الذي تم بناؤه في العام ألف وتسعمئة وثمان وسبعين، لعائلة مكونة من سبعة ذكور وثلاث إناث، حينذاك كانت المنطقة وما حولها من قمة الجبل خالية من أي منازل سوى كروم العنب وأشجار الزيتون، والتي تعود ملكيتها للحاج وأولاده، وفي أواخر العام نفسه وبداية العام ألف وتسعمئة وتسعة وسبعين وضعت سلطات الاحتلال أول شبك حلزوني حول المنزل والأراضي الزراعية المحيطة به، لتبدأ مع ذلك معاناة الأسرة بمصادرة وسرقة أراضيهم، وضمها إلى كيان الاحتلال، وذلك من أجل بناء مستوطنة "جفعون حدشا"، والتي مازالت قائمة حتى اليوم تبتلع المزيد من الأراضي الزراعية.
اقتربت اليوم وبعد ثلاثين عامًا لأجد منزل الحاج "أبو سمير" وعائلته أشبه بسجن في الهواء الطلق، فالجدار العازل أمامهم، ومستوطنة "جفعون حدشا" بسقوفها الحمراء وساكنيها الصهاينة تحيط بهم من ثلاثة اتجاهات تحجب عنهم أشعة الشمس، وتمنعهم من الدخول والتنقل بحرية إلى أراضيهم الزراعية؛ لتحرمهم من أبسط حقوق العيش، وحرية الملكية، التي تعبر عن سياسة الاحتلال تجاه الفلسطينيين.
ففي هذا المنزل المشهد يتحدث عن نفسه.. بوابة إلكترونية صفراء تصدك عن الدخول إذا كانت مغلقة، أما إذا كنت محظوظًا فتسمح لك بالدخول إذا كانت مفتوحة، فالتحكم بفتحها وإغلاقها يتم من خلال مسؤولين وضباط الاحتلال في منطقة عطروت العسكرية، فهي مزودة بكاميرات رقمية حديثة مثبتة بشدة في أعلى بوابة المنزل لمراقبة العائلة والزائرين في كل الأوقات، وذلك حفاظًا على سلامة ساكني المستوطنة.
اقتربت من المنزل شيئًا فشيئًا، وتحدثت مع ساكنيه من الحاج أبو سمير والحاجة أم سمير إلى أولادهم وأحفادهم الصغار؛ لأتعرف على حجم معاناتهم اليومية مع ساكني المستوطنة المحاذية لهم، حيث ابتلعت أراضيهم، والتي تقدر بمئة واثني عشر دونمًا تحيط وتخنق المنزل من ثلاث جهات، وتحاصره على مدى الزمان والمكان، وعند قيامنا بجولة حول المنزل شاهدنا ضخامة الفلل والمساكن التي يسكنها المستوطنون في "جفعون حدشا"، والتي أقيمت على أرض الحاج أبو سمير منذ ثلاثين عامًا، واصفًا حاله وأسرته بأنهم يعيشون قصة ألف ليلة وليلة مع الاحتلال والمستوطنين، فمنذ وضعه لحجر أساس منزله حتى اليوم يعيشون في صراع دائم ومستمر مع الاحتلال والمستوطنين، ويومًا بعد يوم يزداد وضعهم سوءًا ببناء المزيد من المساكن داخل وحول المستوطنة، وحصارهم بجدار الضم والتوسع، بالإضافة لوضع الاحتلال بوابة إلكترونية للتحكم بأوقات دخولهم وخروجهم، ولازالت معاناتهم مستمرة في كل صباح ومساء.
يحمل الحاج صبري غريب لأولاده وأحفاده وأسرته رسالة محبة وصمود لا تخلو من الأمل والتفاؤل لمواصلة الدرب من بعده في الكفاح والصمود حتى لو ضعف خيط الأمل، وازداد المحتل قسوة وظلمًا وهمجية، فمرارة المعاناة لا يعرفها إلا من تذوق من كأسها، والأرض لا يعرف قيمتها إلا من سرقت وسلبت منه، وما بين الحسرة والصمود شعرة، فمن لم يستطع الإمساك بها حتى اللحظة لن يتمكن من الحفاظ على الأرض، وبذلك يستمر الصمود كالشوكة في حلق الاحتلال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار