الجمعة، 20 يناير 2012

الاحتلال يسعى لإخماد صوت الإعلام الوطني الفلسطينى

بقلم محسن هاشم
لم تكن إسراء سلهب أكثر من امرأة فلسطينية أرادت أن يكون لها دور في الحياة، ورسالة تؤديها في إطار الواجب الديني والوطني لفلسطين والقدس، التحقت بمجال الإعلام فدرسته، وهي في نهاية طريقها
لتقديم رسالة الماجستير في موضوع: القدس في السينما الفلسطينية والإسرائيلية.
لقد أيقنت إسراء أهمية وتأثير سلاح الإعلام، وبخاصة في مجال التلفزيون؛ كالبرامج والأفلام الوثائقية، في إظهار الحقيقة، والدفاع عن الحقوق والجذور، واستخدمته عبر برنامجها الأول "من قلب القدس"، ومن ثم برنامج "أحرار"، اللذين يبثان على قناة القدس الفضائية، فما كان من الاحتلال إلا أن استدعاها للقاء ضباطه في مركز توقيف المسكوبية بالقدس، في السادس عشر من نوفمبر، في محاولةٍ منه لتقييد فكرها، ومنعها عن أداء الرسالة، ولمَّا لم يستطع لذلك سبيلاً، أمعن في تجافيه لحقوقها الإعلامية التي منحتها إياها القوانين الدولية، وحكم بتمديد الاعتقال في إطار الضغط، إلا أنه لم يفلح، فأذن بالإفراج عنها بعد ثلاثة عشر يومًا من الاعتقال في أقبية زنازين التحقيق المعتمة
"القدس أون لاين" يستضيف في السطور التالية الإعلامية إسراء سلهب، ويفتح في حواره معها ملف العمل الإعلامي الفلسطيني، والدور الذي يقوم به في إلقاء الضوء على حقائق ووقائع وتفاصيل دقيقة لمعاناة الفلسطينيين، وبخاصة المقدسيون، وتوضيح مدى قدرته على مواجهة إعلام الاحتلال، إلى جانب التعرف على صور التكميم الإسرائيلي للمنابر الإعلامية الفلسطينية، من خلال التعرف على تجربة اعتقالها بسجون الاحتلال.
- لو عدنا بك قليلاً إلى تجربة الاعتقال القاسية.. كيف كانت، وما أسباب الاعتقال؟ وما آلية وإجراءات الاحتلال للأسيرة داخل السجون؟
لم أتوقع أن يقوم الاحتلال باعتقالي، فالأمر الموجه لي لم يكن بالاعتقال، وإنما الحضور لمقابلة، وبعد ساعتين منها فوجئت بأمرهم توقيفي في المسكوبية لمدة 24 ساعة، ومن ثمَّ أخبروني أنه سيتم عرضي على المحكمة، ومن ثمَّ تمديد الاعتقال. وقتها استهجنت الأمر كوني لم أفعل ما يستدعي ذلك، فأنا مجرد شخص يؤدي رسالة إعلامية، وليس هناك من قانون يمنع الإعلامي من العمل. تظلمت وطالبت بالإفراج عني، ولكن لم يعبأ أحد بتظلمي وتم التمديد، بعدها مكثت يومين في التحقيق بشكل قاسٍ جدًا وموسع أيضًا. حاولوا معرفة كافة التفاصيل الدقيقة عن حياتي ودراستي ومجال عملي، وبين الحين والآخر كان المحققون على اختلاف وجوههم يحاولون تقديم العروض لي بالخروج، بعد أن أدلي لهم بمعلومات هم يريدونها، ولكني لا أعرف عنها شيئًا، وحين لم أستجب لهم وأرضخ لضغوطاتهم الكثيرة نعتوني بأني أم ليست مثالية، ولا أقيم وزنًا لحياة أطفالي، ومن ثمَّ يضغطون باتجاه أني لست مهتمة بشيء، فقط يريدون معرفة نشاطي وتفاصيل عملي الإعلامي، كان التحقيق تارةً بالتهديد، وأخرى باللين، وتقديم عروض بالحصول على الجنسية وغيرها من الإغراءات، لكن الله وحده الذي ثبتني، وأرجو الاستمرار على الثبات فلسطينية الهوية، مقدسية المولد والطابع.
- دومًا ما يحاول الاحتلال أن يستهدف "عيون الحقيقة في الوطن، سواء المصورون الصحافيون أو المراسلون، برأيك: ما أسباب الاحتلال لاعتقال الإعلاميات على وجه التحديد؟
ما يسعى إليه الاحتلال هو إسكات صوت الحقيقة، وإخماد الضمائر التي تحمل هم الوطن، وتتحدث عن تفاصيل آلامه ومعاناته، وتسعى لإبراز الحقيقة بالصوت أو الصورة أو الكلمة، هم لا يريدون إظهار الوجه الحقيقي للاحتلال، وبالتأكيد اعتقال الإعلاميات له خصوصيته، فعملية الضغط عليهنَّ لانتزاع الاعترافات، أو التصريح بمعلومات بتصور الاحتلال أقوى وأسهل في ذات الوقت، خاصة أن الإعلامية قد تكون أمًا، أو زوجة، فيكون الضغط بهذا الاتجاه لثني إرادتها بالإضافة إلى طبيعتها كأنثى لا تحتمل الكثير من الضغوط النفسية وضغوط التعذيب والتحقيق، وكذلك لمكانتها وخصوصيتها في المجتمع الفلسطيني.
- كونك إعلامية مقدسية، كيف تشعرين تجاه قضايا القدس بالتحديد، وتجاه واجبك الوطني بالدفاع عن فلسطين من واقع تواجدك في الساحة الإعلامية؟
شعوري تجاه القدس يدفعني لأن أراها بعيون قاطنيها، خاصة في العمل الإعلامي، سواء في مجال الإخراج للأفلام الوثائقية، أو الإعداد للبرامج التلفزيونية التي تتحدث عنها كمدينة، أحاول معايشة المقدسيين في كل محنهم، سواء الجدار أو الاستيطان وممارسات الهدم والتهويد، وبرأيي الإعلامي الذي لا يستطيع ملامسة الواقع، ونقل صورة حقيقية واقعية للأشخاص الذين يواجهون التحديات يخفق في دوره ورسالته، ويؤدي دورًا كأي إنسان ناقل لرواية سمع بها من هنا وهناك، ولم يتحقق منها ويوثقها بالصوت والصورة، ما يؤدي دور الكلمة وأكثر، ولا أشك أن نقل التفاصيل الدقيقة لمعاناة الأشخاص، والتعبير عن آلامهم ومعاناتهم بألسنتهم يقوم بإيصال الحقيقة بشكل أقوى وأصدق، خاصةً للعالم الخارجي الذي لا يعرف الكثير عن القدس، وما تتعرض له من هجمة وحشية من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي في كافة مجالات الحياة؛ الصحة والتعليم، إضافةً إلى التهويد، وسرقة الهوية، وتهجير السكان، وتزييف الحضارة والمعالم الإسلامية فيها، فالإعلامي يجب أن يكون على قدر من المسؤولية لينقل هم كل شخص مقدسي للعالم، من باب الواجب الديني؛ كون فلسطين والقدس ترزحان تحت نير الاحتلال.
- وجدنا عددًا من المؤسسات المعنية وقفت إلى جانب الإعلامية إسراء، وطالبت بالعديد من الفعاليات للإفراج عنها، وهذا واجب عليها، لكن في ضوء تقييمك هذا الدور، هل لتلك المؤسسات تأثير ملموس في الإفراج عن الإعلاميين والصحفيين الذين يتعرضون لمواقف الأسر والاعتقال؟
لا شك أن المؤسسات الإعلامية المحلية بفعالياتها التضامنية الضاغطة، وبخاصة نقابة الصحافيين، وكذلك المؤسسات الدولية الحقوقية، أدت دورًا كبيرًا في فضح انتهاكات الاحتلال للقوانين الدولية، واختراقاته بالتعدي على حقوق الإعلاميين، ومنعهم من أداء واجبهم الإعلامي، خاصةً في مدينة القدس الأكثر تعرضًا للتهويد وطمس المعالم التاريخية والحضارية فيها، كما وأنها سرعت في إطلاق سراحي بعد التوقيع على تعهد لدى الاحتلال، حقيقةً في أول جلسة محكمة لم أكن أود التصوير، أو نقل وقائع اعتقالي ومحاكمتي في وسائل الإعلام؛ ليقيني أنها ساعات فقط وسأخرج من مركز التوقيف، ولكن خابت توقعاتي، ومدد الاعتقال لثلاثة عشر يومًا من أقسى وأصعب الأيام عليَّ، ولكن بعد الإفراج، وحجم التأييد المجتمعي والمؤسساتي، شعرت بقيمة الضغط الذي مارسوه على الاحتلال للإفراج عني باعتباري شخصية إعلامية، وتوقيفي انتهاك للقوانين الدولية التي تعطي الإعلامي الحق في حرية الرأي والتعبير.
في القدس مولدي ونشأتي، حواريها وأزقتها وتراثها ومقدساتها هي من تمدني بالحياة، حين أكون خارجها لا أتمتع باستنشاق عبق أريجها الخارج من كل حجر من حجارة أبنيتها العتيقة ناطقًا بعبق التراث والأصالة، أشعر أن أي مكان عربي إسلامي فلسطيني أصيل يمنحني قوة الحياة.
- اخترتِ العمل الإعلامي رغم أنه شاق، ويرافقه الكثير من المخاطر، حدثينا قليلاً عن عملك ورسالتك التي تطمحين لإيصالها؟
بالتأكيد العمل في مجال الإعلام متعب جدًا، ولكنه في ذات الوقت ممتع، خاصة حين تجدين صداه ملموسًا، سواء بتأييد فكرة، أو بنسبة مشاهدة عالية لبرنامج تقدمينه، أو فيلم وثائقي تضعين فيه رؤيتك الإخراجية التي تحقق الرسالة والهدف الذي تصبين إليه، كون طبيعة عملي تسير باتجاه العمل التلفزيوني المرئي بالصوت والصورة، والتي يفرد لها مساحة واسعة جدًا في فضاءات الإعلام المختلفة، مقارنةً بالصحافة المكتوبة أو الإلكترونية.
أما عن طبيعة الرسالة التي أريد إيصالها، فهي لا تبتعد عن النقل الحقيقي الجاد الصادق لما يعانيه الفلسطيني، وتحديدًا المقدسي، من مشاكل في مختلف المجالات الإنسانية والاجتماعية والسياسية، فتلك المشاكل لا تنقل معاناة عائلة أو شخص بعينه، وإنما تنقل معاناة المقدسيين جميعهم، والذين يهدف الاحتلال إلى تشريدهم وتهجيرهم، وإنهاء وجودهم بالقدس؛ للسيطرة عليها، وأعتقد أن سلاح العمل الإعلامي التلفزيوني الصوت والصورة التي تكشف القناع وتبرز الحقائق، وتوصل الرسالة بأفواه أصحابها للعالم الخارجي الذي لا يعرف الكثير عن القدس ومعاناتها، ولذلك أرى أن الوصول لكل بيت مقدسي، وإبراز معاناته وحكايته مع الاحتلال يؤدي بنا إلى إيصال قضية القدس، وإسماع صوتها للعالم، خاصة العالم الإسلامي.
- ما هي رؤيتك للعمل الإعلامي الفلسطيني في مواجهة الاحتلال؟
طبعًا الإعلام الفلسطيني استطاع أن يؤدي الرسالة بكثير من الشفافية، ونجح بشكل كبير في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، وإلا لما وجدنا الأخير يعمل في استهداف الكوادر الإعلامية بالاعتقال تارة، وبالقتل والإصابة تارةً أخرى، وأعتقد أنه مادام الصراع قائمًا فالمواجهة بالتأكيد قائمة لنقل هذا الصراع.
- كنت صوت الأسرى الناقل لمعاناتهم عبر برنامج "أحرار" على قناة القدس الفضائية، وبعد الأسر أصبحت جزءًا من هذا الألم والمعاناة، إلام يدفع هذا الشعور بعد التحرر؟
لا أخفيك أن معايشتي لشعور الأسرى على مدار مدة اعتقالي القصيرة "أسبوعين"، جعلني أشعر بقضيتهم أضعافًا مضاعفة عن شعوري السابق، خاصة أن تجربتي كانت مع الزنازين تحت الأرض، الشعور المفقود بالحرية سواء بالزنزانة أو السجن يجعلك أقرب لملامسة مشاعر وآلام الأسرى الموجودين في أقبية الاحتلال، ويدفعني بشكل أقوى لنقل معاناة الأسرى الذين هم جزء هام وجوهري من القضية الأم، وليس التراجع والتخلي، التجربة لن تمنعني إبعاد قضيتهم عن أجندة عملي، ولن تمنعني أيضًا المواصلة، واستكمال المشوار مع قضيتهم العادلة حتى التحرير.
- حضرتك زوجة لأسير يعاني قسوة السجن، كيف تواجهين قسوة الحياة، خاصة وأنك أم لطفلين، ما يقتضي أن تكوني لهن الأم والأب في آن واحد؟
بالتأكيد اعتقال زوجي الأستاذ شادي زاهدة، رئيس قسم القياس والتقويم والامتحانات بالقدس، في الثاني من نوفمبر، أضاف لي الكثير من الألم، خاصة وأنها تجربة الاعتقال الأولى، بالإضافة إلى وجود طفلين (إيمان وبراء)، وحاجتهما الماسة لوالدهما، وتعلقهما به، ولكن أحاول أن أعوضهم قدر الإمكان عدم وجود الأب، وأتمنى أن يمنحني الله القدرة على تحمل هذه المسؤولية الجسيمة، وألا يمتد التوقيف بحقه أكثر، ويجمعنا قريبًا.
- ولكن كيف تحاولي أن تناضلي من أجل نصرة زوجك الأسير والأسرى عمومًا؟
حقيقة محاولاتي لا تبعد عن الدعاء والكلمات للمسؤولين والمعنيين، ولكن الأفعال لا نستطيع إليها سبيلاً لإخراج أسرانا، نتركها للقدر بالدرجة الأولى ليحدد مصيرنا، فقط أنتظر الفرج القريب لي ولأناس كثيرين ينتظرون بفارغ الصبر تحرير أسراهم من عتمة الزنازين والسجون الصهيونية.
- بالتأكيد النجاح مرهون بجنود مجهولين يحترفون الدعم والتشجيع للاستمرار بقوة وتميز، حدثينا عن دور الأهل في مسيرة نجاح الإعلامية سلهب؟
الحمد لله رب العالمين، وقوف والدي ووالدتي وزوجي وأهله جميعهم كان له الدور الأبرز في نجاحي في كل مراحل حياتي، واستمراري في العطاء بالعمل الإعلامي، خاصة وأن العمل في مدينة القدس جدًا صعب، وتحديدًا للمرأة المحجبة، دائمًا أقول: إن ما وصلت إليه ليس نجاحي، بل بتوفيق من الله جل وعلا، ومن ثمَّ دعم الأهل وتشجيعهم وتذليلهم للكثير من العقبات بطريقي، ومن ثمَّ طموحي وجهدي.
- هل من رسالة أو كلمة أخيرة تودين توجيهها لأحد؟
هي كلمة شكر لكل من وقف إلى جانبي ودعمني، سواء في حياتي الشخصية أو المهنية، وكل من وقف إلى جانبي في محنة الاعتقال الأخيرة من شخصيات ومؤسسات دولية ومحلية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار