الأحد، 17 أبريل 2011

دولة فلسطينية مؤقتة ... هل تحل مشكلة فلسطين

بقلم محسن هاشم
هل هي مصادفة أن يعلن رئيس وزراء السلطة الفلسطينية سلام فياض أن السلطة الفلسطينية قد تعلن دولة فلسطينية من جانب واحد لفرض أمر واقع لو استمر التعنت "الإسرائيلي" في التفاوض وأن تأتي تصريحاته متزامنة مع إعلان مصادر أمريكية و"إسرائيلية" أن مفاوضات تجري لإعادة إحياء فكرة إنشاء دولة فلسطينية مؤقتة وفق "خارطة الطريق" وتأجيل التفاوض حول القدس واللاجئين؟!
وهل ما أعلنه فياض يشكل تطورًا في الموقف الفلسطيني خصوصًا أن الرئيس عباس قال قبل فياض بأسبوعين – عقب انتهاء مؤتمر فتح ـ: إن حركته "ترفض بالمطلق مشاريع الدولة المؤقتة".
وهو الحل الذي طرح كثيرًا للتغلب على الصعوبات التي تعترض التوصل إلى اتفاق نهائي؟!
وماذا يعني إعلان الرئيس عباس – قبل أسبوعين أيضًا – استبعاده "إجراء أية مفاوضات جديدة مع "إسرائيل" قبل وقف الاستيطان والتزام "إسرائيل" بما ورد في خطة خريطة الطريق وسواها من المواثيق والقرارات الدولية، وفي مقدمتها الالتزام التام بوقف الاستيطان بجميع أشكاله"، ثم إعلان "إسرائيل" وأمريكا رسميًّا أنه يجري التنسيق مع عباس لإجراء لقاء بينه وبين نتنياهو في نيويورك في سبتمبر المقبل لإطلاق مفاوضات التسوية، وقبول عباس فكرة اللقاء قبل أن يجمد الصهاينة الاستيطان كشرطه؟!
من الواضح أن هناك لعبة أمريكية تجري علي أحر من الجمر لتليين المواقف الفلسطينية عبر سلاح المعونات الذي تعيش عليه السلطة، والتغاضي في الوقت نفسه عن التعنت "الإسرائيلي" بخصوص "مجرد" تجميد الاستيطان، والهدف هو تهيئة الأجواء لإطلاق ما قد يسمي "مبادرة أوباما" للسلام المفترض أن يطلقها في سبتمبر أو نوفمبر علي أقصى تقدير.
ومن الواضح أن هناك انحيازًا أمريكيًّا واضحًا للطرف الصهيوني، وخضوع لتعنت نتيناهو بعدما ألقي اللوبي الصهيوني وجماعات الضغط المالية "لإسرائيل" في الكونجرس والإدارة الأمريكية بثقلها لمنع التصلب الذي أبداه أوباما في البداية بتجميد كل الاستيطان؛ بحيث أصبحنا بعد قرابة 140 يومًا من الضغوط الأمريكية علي نتنياهو إزاء تدحرج تدريجي في الموقف الأمريكي لصالح "إسرائيل" من تجميد كل الاستيطان ... إلى التجميد حتى العام المقبل فقط ... إلى التجميد في الضفة مع استثناء القدس!؟
والمشكل هنا أن هناك مخاوف عربية من أن تكون وعود أوباما وإدارته للعرب كالعادة أشبه بالزبد الذي يسيح عندما تسطع عليه الشمس أو أن تتمخض إدارته فتلد فأرًا هو العودة للتمسك بخارطة الطريق ولكن مع تجاوز شرط وقف الاستيطان فيها ـ خصوصًا في القدس ـ والتركيز علي فكرة الدولة الفلسطينية المؤقتة!
وهذه المخاوف هي التي دفعت وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط لإبلاغ الرئاسة الأوربية ـ ممثلة بالسويد ـ هذا الأسبوع ـ رفض مصر والعرب استثناء القدس من المطالبة بتجميد سياسة الاستيطان "الإسرائيلية".
وهي التي جعلت الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسي يقول أيضًا: إن "العرب لن يقبلوا باستمرار خداعهم واستغفالهم مرة أخرى، فيما يتعلق بالدخول في عملية سلام شكلية بهدف ملء الوقت دون حدوث تقدم حقيقي"!؟
بل إن هذا التراجع الأمريكي فيما يخص الاستيطان سيكون هو أحد القضايا الرئيسية علي أجندة اجتماع وزراء الخارجية العرب القادم في التاسع من سبتمبر بالجامعة العربية بالقاهرة برئاسة وزير الخارجية السوري وليد المعلم.
العرب يلدغون من الحجر مرتين!
بعبارة أخري، يبدو الموقف الأمريكي وكأنه يتحرك نحو تكرار نفس المواقف مع العرب والفلسطينيين، وهي السعي لتشكيل تحالف (عربي – أمريكي – "إسرائيلي") ومظلة نووية أمريكية بغرض حصار إيران، وربما ضربها لو استلزم الأمر مقابل وعود بحل المشكلة الفلسطينية، علي غرار ما فعله بوش الأب في التسعينات من تحالف لضرب العراق مقابل وعود أوسلو!
والجديد في الموقف الأمريكي هذه المرة هو استعجال فكرة تطبيق الدولة الفلسطينية المؤقتة التي وردت في خارطة الطريق الأمريكية القديمة، والسعي لإقناع الفلسطينيين والعرب بها وترويج مقولات نتنياهو عن سلام اقتصادي أولًا عبر التعايش مع هذه الدولة المؤقتة ثم حل مشكلات القدس ـ بما فيها الاستيطان ـ واللاجئين لاحقًا!
مستقبل مظلم للدولة المؤقتة:
والحقيقة أن إعلان رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض ـ في مقابلة مع صحيفة "تايمز" 25 أغسطس الجاري ـ أن السلطة الفلسطينية قد تختصر مفاوضات السلام وتعلن قيام دولة أمر واقع فلسطينية "مؤقتة" بحلول منتصف 2011م، هو منطق معقول وسبق أن طالب به الكثير من الفلسطينيين، بل وهدد به الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وتصرف علي أساسه باعتباره رئيس دولة تعامل معها شارون بعنف وحصار حديدي لحد تسميم عرفات نفسه عبر مرتزقة من داخل الدولة الفلسطينية لضرب هذه الدولة.
ولكن المشكل أن هذه الدولة الفلسطيني التي تحدث عنها فياض ويتحدث عنها الأمريكان أيضًا تستهدف تجاوز ملفات القدس واللاجئين، كما أنها لو قامت ستكون "دولة الضفة الغربية" أي ستكون علي أقل من 5% من مساحة فلسطين التاريخية، وأقل من نصف الدولة الفلسطينية التي تجري حولها المفاوضات الجارية، وستكون مجرد جيب محاصر بين المستوطنات والجيش الصهيوني والجدار العازل وليس لها منافذ علي الخارج سوي معبر الأردن الذي يتحكم فيه الصهاينة.
بل أن اقتصاد الضفة كله مرتبط بالدولة الصهيونية والسلع الصهيونية تصرف هناك بنسب تفوق احيانا الـ 30% مما تنتجه الدولة الصهيونية وتبيعه في الخارج، ولا توجد مقومات لصناعة فلسطينية حقيقية أو موارد اقتصادية، ما سيجعل هذه الدولة تعتمد ـ كما هو حالها الآن ـ علي المعونات الخارجية التي ستتحكم في سياستها.
وربما يكون هناك تفسير آخر لتصريحات فياض، هو التمهيد للتراجع الفلسطيني عن شرط وقف الاستيطان لبدء مفاوضات سلام ولقاءات مع القادة الصهاينة!
فالقمة المرتقبة بين نتنياهو وعباس برعاية أوباما على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر ستكون بمثابة عودة فلسطينية للمفاوضات مع "إسرائيل" بدون شروط!
فالرئيس عباس سبق أن اشترط تجميد المستوطنات لاستئناف محادثات السلام مع "إسرائيل" المتوقفة منذ ديسمبر، وهو ما لم يحدث، وقد يسعي الرئيس أوباما خلال لقاؤه نتياهو في نيويورك لانتزاع تصريح منه بتأجيل البناء في القدس وهو ما تحدث عنه الصهاينة بالفعل كتأجيل مؤقت للعقود حتى 2010م، ولكنه سيكون المدخل لحفظ ماء وجه السلطة الفلسطينية والمبرر لعقد قمة ثلاثية (فلسطينية – "إسرائيلية" – أمريكية ) في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة!
حديث فياض عن دولة فلسطينية ربما يكون بالتالي أحد أوراق التفاوض الفلسطينية الضعيفة في يد السلطة الفلسطينية، ولكن المهم هو أن تستغل أسلحة وأدوات تفاوض فلسطينية أخري بجانب هذا السلاح أبرزها علي الإطلاق هو التعاون الاقتصادي الفلسطيني – "الإسرائيلي".
فالدولة الصهيونية ينمو اقتصادها علي أشلاء الفلسطينيين في الضفة وغزة بسبب الصفقات التي تعقد مع الأراضي المحتلة لتسويق المنتجات الصهيونية.
أيضًا التنسيق الأمني المفتوح بلا ضوابط بين السلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية الصهيونية، والذي حمي الصهاينة من هجمات المقاومة بيد الفلسطينيين أنفسهم في أجهزة أمن عباس، يعتبر أخطر سلاح فلسطيني ضغط به الرئيس عرفات علي "إسرائيل" من قبل، وضغطت به حكومة هنية لاحقًا قبل عزلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار