الجمعة، 22 أغسطس 2014

العدوان على الشعب الفلسطيني / بقلم محسن هاشم مترجم اللغة العبرية

 



الحرب الدموية التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة لم تكن مسبوقة من حيث الوحشية والبربرية والعدوانية الإسرائيلية، بل إنها كانت صدمة كبرى من حيث القتل والتدمير؛ وخاصة في أوساط المدنيين الفلسطينيين 
والمنشآت التي تخدمهم، وأيضاً كانت غير تقليدية من حيث استعداد المقاومة وجاهزيتها لهذه الحرب، وقدرتها على الصمود في وجه هذه الآلة العسكرية المجرمة والمدمرة، بحيث سجلت المقاومة انتصارًا معنويًّا مهمًا، وربما تكون هذه الحرب آخر الحروب؛ بسبب وجود رغبة دولية لم تكن قائمة في السابق في تغيير الوضع القائم في غزة؛ وخاصة عدم استمرار الحصار الإسرائيلي،  والرغبة أيضاً في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار دائم يستمر لفترة طويلة، ربما تجعل من استئناف الحرب مسألة صعبة بناءً على حجم المأساة الإنسانية في هذه الجولة.
وأي حديث عن الانتصار سيبقى بدون أي قيمة جدية إذا لم يترجم الإنجاز الميداني إلى إنجاز سياسي ملموس، فسبق أن أعلنا انتصاراتٍ فلسطينيةً عديدةً منذ حرب (الكرامة)، مرورًا بصمود بيروت، وانتهاءً بهذه الحرب، وليس في كلها كانت النتائج السياسية انتصارات فعلية، ولهذا؛ فالعبرة دائماً تكمن في النتائج التي يمكن أن تكون مقدمات لحدوث التغيير الملموس في الواقع السياسي، وصولاً إلى تحقيق الأهداف الوطنية الكبرى، وسيكون من الصعب الحديث عن إنجاز سياسي حقيقي إذا بقي التفكير منحصراً فقط في رفع الحصار عن غزة على أهمية وإلحاحية هذه المشكلة، حتى إن موضوع رفع الحصار يمكن أن يذهب في أحد اتجاهين: إما رفعه لجهة فتح منافذ مع العالم الخارجي من خلال معبر (رفح) والميناء والمطار؛ وهذا وحده فقط يؤسس لكيانية مستقلة في غزة تضرب المشروع الوطني ولا تشكِّل رافعة له، وهذا ما تريده "إسرائيل" التي لا يوجد لديها أي مانع مبدئي لرفع الحصار وإلقاء غزة إلى الخارج حتى لو أصبحت دولة كاملة السيادة، ولكن بشرط نزع سلاحها الذي يهدد "إسرائيل".
 وهناك اتجاه آخر لرفع الحصار من خلال الربط بين قسمي الوطن الضِّفة الغربية وقطاع غزة، والسماح بحرية الحركة بين الضِّفة وغزة للأفراد والبضائع، والحفاظ على الوَحدة الإقليمية للمناطق الفلسطينية، مع فتح جميع المعابر التي تربط قطاع غزة بالضِّفة و"إسرائيل"، أو تربطه بالعالم الخارجي؛ وهذا مخالف للرغبة الإسرائيلية.
وللتذكير فقط؛ يجب الانتباه إلى أن الهجمة الإسرائيلية بدأت بالضِّفة منذ تشكيل (حكومة التوافق الوطني)، وهي مستمرة على (القدس) والأقصى المبارك، وعلى الضِّفة بغض النظر عن أي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.
ويجب ملاحظة أن "إسرائيل" لا تريد الربط بين اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وبين التسوية السياسية الشاملة للصراع، حتى إن الأوساط السياسية الإسرائيلية تتحدث الآن عن التعاطي مع المبادرة العربية للسلام بمنطق تشكيل تحالف عربي - إسرائيلي في وجه بعض الدول الإقليمية والمنظمات الإسلامية العربية، ويرون أن هذا التحالف قد يشمل مصر والسعودية والإمارات والأردن والسلطة الفلسطينية، للاستفادة من المناخ العربي السائد، ولهذا؛ ينبغي الحذر من التعاطي مع الأفكار الإسرائيلية الخبيثة هذه التي تريد التطبيع مع الدول العربية دون دفع الثمن المطلوب؛ وهو الانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين.
ولكي نحقق إنجازًا سياسيًا ملموسًا لابدَّ أولًا من التخلص من الحسابات الفصائلية والفئوية سواءً تلك التي تريد تحقيق حل لمشكلة فصيل ما، أو تلك التي تخشى الحصول على إنجاز مهم خوفاً من اعتباره انتصارًا لفصيل أكثر من غيره، فأي انتصار يجب أن يحسب للشعب الفلسطيني كله، هذا الذي ضحى وصمد ودفع ثمناً باهظاً، حتى لو كانت بعض الفصائل ستسجله لنفسها. فكلنا ننتصر أو كلنا نهزم، فإذا انتصرت غزة انتصرنا وإذا تحطمت تحطمنا في كل مكان، والانتصار يرتبط بمدى القدرة على دفع القضية الوطنية إلى الأمام، وإنجاز مهمات التحرر الوطني التي تبدأ بالتخلص من الاحتلال.
وكي لا نحمِّل المقاومة في غزة فوق طاقاتها، ونطلب منها أن تحرر الوطن في إطار المفاوضات حول وقف إطلاق النار؛ يتوجب التفكير في صيغة للاتفاق الوطني حول المرحلة المقبلة؛ وذلك من خلال ربط الاتفاق بالعملية السياسية الأكبر.
وهناك شيئان على درجة كبيرة من الأهمية يمكن إنجازهما على وجه السرعة ودون تأخير وهما: دعوة الإطار القيادي في منظمة التحرير للانعقاد بحضور حركتي (حماس، والجهاد الإسلامي)، والبحث في برنامج سياسي محدد يتناول موضوع الدولة الفلسطينية وكيفية الاستفادة من المناخ الدولي القائم؛ وهو مؤاتٍ جدًا لفعل شيء على مستوى دفع التسوية من خلال المنظمات الدولية المختلفة، وفي هذا الإطار كيفية إدارة قطاع غزة في إطار اتفاق المصالحة، وتحت إشراف السلطة و(حكومة التوافق)، التي ربما يكون من الأفضل أن تتحول إلى (حكومة وَحدة وطنية)، وتنضم إليها كل الفصائل بما فيها حركة (حماس) على قاعدة البرنامج الذي ينبغي التوصل إليه، وهو برنامج إقامة دولة فلسطين المستقلة في حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
فلو قامت هذه الحكومة على برنامج موحد يقبله العالم دون أن يغير أي فصيل مواقفه العامة خاصة أن الجميع يقبل فكرة إقامة دولة فلسطينية بالحدود الممكنة التي يوافق عليها المجتمع الدولي؛ فستحظى باعتراف فوري من غالبية دول العالم، وسيكون بإمكانها أن تقوم بمهمات الإعمار في غزة، وتتولى الإشراف على المعابر من خلال قوات السلطة، وهذا يؤمن حل المشكلات التي تواجه الحكومة في غزة، كما أنها ستمنح الموقف الفلسطيني قوة كبيرة، وستمكِّن القيادة من تحقيق الإنجاز السياسي المأمول.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار