الجمعة، 25 سبتمبر 2015

بَيت المَقْدِس.. ميراثُ الأُمَّة المُسلمة مُنذُ عهد آدم عليه السَّلام/بقلم محسن هاشم مترجم اللغة العبرية

  





كان المسجد الأقصى، وسيظلَّ، ميزانًا وُمؤشِّرًا لقياس عزَّة الأُمَّة الإسلاميَّة أو وهنها، قوَّتها أو ضعفها، تمكينها أو تبعيَّته، صعودها أو تراجُعها؛ حيث وجود أولى القبلتَيْن وثالث الحرمَيْن في حوزة المسلمين يعني أنَّهم على عهدهم مع ربِّهم، وأنَّهم أخذوا بسُنَنِ النَّصر؛ فاستحقُّوا نصره وتأييده، ووجوده في أيدي أعدائهم؛ يعني أنَّهم فرَّطوا في العهدِ مع اللهِ تعالى؛ فسلَّط عليهم الأُمَمَ الأخرى؛ فاستلبَتْ أغلى ما تملك الأُمَّة من مُقدَّساتٍ.

وفي حقيقة الأمر؛ فإنَّ هناك العديد من الالتباسات التَّاريخيَّة وأخرى ذات طابعٍ دينيٍّ مُحيطة بالمسجد الأقصى؛ حيث يقول اليهود إنَّ بعض الفترات التَّاريخيَّة التي حكم فيها بنو إسرائيل واليهود فلسطين والقُدس، وخصوصًا في عهد نبيَّيْ اللهِ تعالى داوود وسُليمان "عليهما السَّلام"، تمنح اليهود اليوم أحقيَّة المُطالبة بفلسطين واحتلال القُدس، وهدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل الثَّالث المزعوم محلَّه.

ويتناسى هؤلاء أنَّ داوود وسُليمان وغيرهما مِن أنبياء ورُسُلِ اللهِ تعالى لبني إسرائيل، كانوا على الإسلام، كما يثبُت من خلال القرآن الكريم وصحيح السُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة، وأنَّه بالتَّالي، فمِن المستحيل أنْ يبنيَ نبيُّ اللهِ سُليمان "عليه السَّلام" الهيكل الأول المزعوم مِن أجل عبادة إله اليهود المزعوم "يهوه"، وأنَّ ما بناه أو أعاد سُليمان "عليه السَّلام" بناءَه هو المسجد الأقصى الذي بناه أبو البشر آدم "عليه السَّلام".

وبين أيدينا كُتَيِّبٌ وَضَعه الكاتب الإسلاميُّ الدُّكتور جمال عبد الهادي والباحثة التَّاريخيَّة الدُّكتورة وفاء مُحَمَّد رفعت، نظرةٌ شاملةٌ على تاريخ القُدس والمسجد الأقصى مُنذ بنائه على يد سيدنا آدم عليه السَّلام كما تقول أغلب ترجيحات علماء التَّاريخ والدِّراسات الإسلاميَّة، وحتى الآن، وأدلَّة أحقيَّة المُسلمين بالسِّيادة على القُدس، كما يرصد الكتاب الوجه الحقيقيَّ لليهود عبر التاريخ، وخصوصًا فيما يتعلَّق بجرائهم في حقِّ أنبياء اللهِ تعالى، مركزًا على الملابسات التي أحاطت بمحاولتهم الآثمة لصَلب السَّيِّد المسيح "عليه السَّلام".

ويرد الكُتَيِّب، في الإطار، على مُختلف المزاعم التَّاريخيَّة والدِّينيَّة التي يطرحها اليهود لتبرير احتلالهم للقدس وفلسطين، وذلك من خلال رصدٍ تاريخيٍّ لمسار حركة بني إسرائيل واليهود مِن وإلى فلسطين، أثناء فترة وجود نبيِّ اللهِ يعقوب "عليه السَّلام"، وقبل وبعد بعث نبيِّ اللهِ موسى "عليه السَّلام".

وتتكوَّن الدِّراسة من مُقدِّمةٍ ومبحثَيْن، تناولَتْ جميعها تاريخ بَيت المَقْدِس والمسجد الأقصى منذ عهد نبيِّ اللهِ آدم أبو البشر "عليه السَّلام"، وحتى بعثة نبيِّ اللهِ ورسوله  عيسى "عليه السَّلام" ورفعه إلى السَّماء بعد أنْ أنقذه اللهُ تعالى من بين براثن الكفرة من بني إسرائيل، والمصادر التَّاريخيَّة الأصيلة التي يجب الاعتماد عليها في كتابة تاريخ القُدس والمسجد الأقصى، وأسباب عدم التَّعويل على مصادر التَّاريخ القديم على ما شابها من تحريفٍ على أيدي اليهود وأحبارهم، وتناولت الدِّراسة كذلك الشُّبُهات اليهوديَّة حول تاريخ المسجد الأقصى، والرَّدُّ عليها.

وفي المبحث الأوَّل مِن الدِّراسة يدعو الدُّكتور عبد الهادي والدُّكتورة وفاء إلى الاعتماد في التَّأريخ لفلسطين وبَيت المَقْدِس على المصادر الإسلاميَّة الرَّئيسيَّة الموثوق فيها، وعلى رأسها القرآن الكريم وصحيح السُّنَّة النَّبويَّة، وكُتُب التَّفسير والشُّروح الرَّئيسيَّة، وعلى رأسها تفسير القُرطبي وفتح الباري في شرح صحيح البخاري، بينما يُؤكِّدان على ضرورة الابتعاد عن مصادر التَّاريخ القديم التي اعتمد عليها المُستشرقون والكُتَّاب المسيحيُّون واليهود الغربيُّون أمثال هربرت جورج ويلز.

فهذه المصادر إمَّا اعتمدَتْ على مجموعةٍ مِن الأساطير القديمة لم تثبُتْ صحَّتُها أو تبنَّت آراء مخالفة للثَّوابت التَّاريخيَّة التي أكَّدَ عليها الإسلام، ومن بين ذلك الزَّعم بأنَّ الإنسان يعود في خلقه إلأى القردة وما شابه.

المبحث الثَّاني تناول تاريخ بَيت المَقْدِس مُنذ عهد نبيِّ اللهِ آدم "عليه السَّلام" وحتى الاحتلال البيزنطيِّ للقدس الشَّريف في القرون الميلاديَّة الأولى، ويهدف المُؤلِّفان مِن وراء هذا الاستعراض إلى الوصول إلى عددٍ مِن النَّتائج، ومِن بينها:

- إثبات أنَّ تاريخ فلسطين وبَيت المَقْدِس والمسجد الأقصى، مِن صميم مُلحقات العقيدة الإسلاميَّة، وإنَّها وقفٌ إسلاميٌّ وميراثٌ للأُمَّة المسلمة مُنذ عهد آدم "عليه السَّلام".

- ينتسب شعب فلسطين إلى ذُريَّة المسلمين العرب النَّاجين مِن الطُّوفان مع نبيِّ اللهِ ورسوله نوح "عليه السَّلام".

- إنَّ الإمامة والسِّيادة على بَيت المَقْدِس كانت دائمًا للأئمَّة والرُّسل المُسلمين؛ حيث إنَّ أنبياء ورُسُلَ اللهِ تعالى، منذ عهد خليل الرَّحمن إبراهيم "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ"، وحتى عيسى "عليه السلام"، مرورًا بداوود وسليمان وزكريا ويحيى "عليهم السَّلام"، كلهم قد جاءوا برسالة الإسلام، التي أتمَّها رسولُ اللهِ مُحَمَّدٌ "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

- إنَّ المسجدَ الأقصى ظلَّ مَعْلمًا ومقصِدًا للعُبَّاد والمُصلِّين عبر تاريخه.

ولقد حاول المُؤلِّفان تتبُّع تاريخ بناء المسجد الأقصى منذ بدايته، ومِن بين النُّصوص التي اعتمد عليها الدُّكتور عبد الهادي والدُّكتورة وفاء في هذا المجال الحديث الذي أخرجه البُخاري في صحيحه عن أَبي ذَرٍّ "رَضِيَ اللهُ عَنْه" أنَّه قَالَ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِى الأَرْضِ أَوَّلُ؟. قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ. قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَىٌّ؟. قَالَ: الْمَسْجِدُ الأَقْصَى. قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟. قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ، فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ".

ويتتبَّع المُؤلِّفان تاريخ بني إسرائيل واليهود في المُقابل من أجل إثبات أنَّ وجودَهم في فلسطين وفي القُدس كان عابرًا، لم يستغرق بضعة مئاتٍ مِن السِّنين، وهي فترةٌ شديدة القِصَرِ بالنِّسبة لتاريخ العمران البشريِّ في فلسطين والقُدس، وخصوصًا الوجود العربيِّ والمُستمر فيها لأكثر من ستة آلاف عامٍّ.

وتقول الدِّراسة إنَّ الصُّهيونيَّة في العصر الحديث قد أحدثَتْ العديد مِن التَّحوُّلات في اليهوديَّة؛ حيث جعلت الأرض هي الهدف والمعبود، وليس اللهَ سبحانه وتعالى.

وفي إطار هذا الاستعراض التَّاريخيِّ، فإنَّ الدِّراسة تذكُر نقطةً شديدة الأهمِّيَّة في تفنيد مزاعم اليهود بأنَّ رسالة نبيِّ اللهِ تعالى مُوسى "عليه السَّلام" كانت في بني إسرائيل فحسب عنصريَّةً منهم؛ حيث إنَّه مِن بين مَن آمن مع مُوسى "عليه السَّلام" كان هناك مصريُّون، وهم سحرة فرعون الذين آمنوا بعدما رأوا مِن مُعجزات اللهِ تعالى مع مُوسى "عليه السَّلام"، وهو أمرٌ ثابتٌ بالنَّصِّ القرآنيِّ بشكلٍ لا لبس فيه.

وفي الأخير؛ فإنَّ هذه الدِّراسة قدَّمَتْ مجموعةً مِن الأدلَّة الدَّامغة والبراهين الواضحة على أنَّ المسجدَ الأقصى ملكيَّةٌ إسلاميَّةٌ، وشرف توارثه الأنبياء عليهم وعلى نبينا أفضل الصَّلاة والسَّلام، وانتقلَتْ مسئوليَّة حمايته أو السِّيادة عليه من عهدٍ إلى عهدٍ من دون أنْ يكونَ لليهود وجودٌ فيه أو سيطرةٌ عليه أكثر من بضعة عقودٍ، وتُعْتَبر بكلِّ تأكيدٍ حجةً على من قرأها، مع ما تفرضه من واجباتٍ على كلِّ مسلمٍ مؤمنٍ بأنْ يعمل ما بوسعه مِن أجل استرداد بَيت المَقْدِس مِن بين أيدي اليهود الصَّهاينة الغاصبين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار