الجمعة، 25 سبتمبر 2015

مُؤرِّخون يُزوِّرون تاريخ بيت المَقدس لدعم الاحتلال اليهوديِّ لفلسطين/بقلم محسن هاشم

  

في كلِّ عصرٍ، ومُنذ الميلاد الأوَّل للبشريَّة، هناك مَن ينتحلون حقوقًا ليست لهم، بصناعة تاريخٍ يقوم على تزوير الحقائق والطمس والتَّشويه، مِن أجل الاستيلاء على حقوق الآخرين واستبعادهم من صيرورات الحدث المُعاصِر بعد أنْ تمَّ استبعادهم مِن صيرورات الحدث التَّاريخيِّ، ولأجل ذلك كثيرًا ما يحدُث أنْ يتمَّ تجنيد بعض أصحاب العلم والقَلَم لكتابة تاريخٍ آخر غير التَّاريخ الذي حَدَثَ ووقع بالفِعل.

ولعلَّ التَّطبيق الأبرز والأهم عبر القرون الطَّويلة التي تَشكَّل فيها التَّاريخ والتَّأريخ الإنسانيَّيْن، هو ما يجري في فلسطين؛ حيث يجري تزوير تاريخ بلدٍ بالكامِل مِن أجل تسهيل مُهِمَّة استيلاء اليهود على هذا البلد تحقيقًا لعددٍ مِن المزاعم الدِّينيَّة والتَّاريخيَّة التي تخدم فيما بينها المشروع الصُّهيونيِّ الاستعماريِّ في فلسطين، والذي يُحقِّق الكثير مما حاوله الغرب قديمًا مِن خلال الحروب الصَّليبيَّة والاستعمار الأوروبيِّ المُباشِر لعالمنا العربيِّ والإسلاميِّ، وهي استئصال شأفة الإسلام من الأرض المباركة، وتقسيم الأُمَّة إلى شطرَيْن مُنفصلَيْن عن بعضهما البعض.

وبين أيدينا دراسةُ بعنوان "مُؤرِّخون يُزوِّرون تاريخ بيت المَقدس لدعم الاحتلال اليهوديِّ لفلسطين"، صَدَرَتْ ضمن سلسلة "كرَّاسات القُدس" التي يصدرها مركز الإعلام العربيِّ بالقاهرة، بقلم الكاتب الإسلاميُّ الدُّكتور جمال عبد الهادي، والدُّكتورة وفاء مُحَمَّد رفعت أستاذ التَّاريخ الإسلاميِّ، تتناول العديد مِن القضايا المُتعلِّقة بالأدوار التي لعبها عددٌ مِن المُؤرِّخين والمستشرقين الغربيِّين في تزوير التَّاريخ العربيِّ والإسلاميِّ من أجل تدعيم المشروع الصُّهيونيِّ في فلسطين، وكيفيَّة مواجهة هذه المسألة.

ويحدِّد الكتاب أو الدِّراسة كذلك، الشُّروط الَّلازمة من أجل تحرير المسجد الأقصى، والتي ما يزال المسلمون يفتقرون إليها، كما يُرشد القارئ المُتخصِّص والعادي إلى المراجع التَّاريخيَّة المُنْصِفَة الني يقيم بها الحُجَّة على هذه المزاعم وأصحابها متى سمعها منهم.

وينقسم الكتاب إلى ثلاثة مباحثَ رئيسيَّةٍ، تناول الأوَّل منها الأسانيد العقديَّة والتَّاريخيَّة لتحريف اليهود للتَّوراة، وتناول المبحث الثَّاني نماذج ممَّا كَتبه المستشرقون ومن سار على نهجهم في هذه المسألة، والواجبات المطلوبة مِن أولي الأمر في عالمنا العربيِّ والإسلاميِّ في مواجهة ذلك، فيما قدَّم المبحث الثَّالث نماذج من المصادر والمراجِع التي تُصحِّح هذه الأخطاء.

وفي البداية يُحدِّد المُؤلِّفان الأهداف والرَّسائل التي يرغبان في إيصالها من خلال هذه الدِّراسة، والتي من بينها التَّحذير مِن الاعتماد على كتابات المُستشرقين، ومَن سار على نهجهم من أبناء العرب والمسلمين، والتَّحذير مِن الاعتماد أيضًا على التَّوراة والتَّلمود والشُّروح العبرانيَّة فيما يتَّصل بإثباتِ أيِّ حقٍّ مزعومٍ لليهود في فلسطين، وتنبيه أولي الأمر إلى فريضة تنقية المصادر والمراجع التَّاريخيَّة ممَّا فيها من زورٍ وبُهتانٍ وتزويرٍ لحقائق التَّاريخ، وخاصَّةً فيما يتعلَّق بمسألة الطَّرف صاحب الحقِّ الدِّينيِّ والتَّاريخيِّ الرَّئيسيِّ في فلسطين وفي القدس الشَّريف وبيت المقدس.

ومن بين الرسائل المُهِمَّة أيضًا التي سَعَتْ الدِّراسة إلى إيصالها أهمِّيَّة الاعتماد على القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة والمصادر الإسلاميَّة الموثوق فيها في مجال التَّاريخ والتَّأريخ لفلسطين، وإعداد مُقرَّراتٍ دراسيَّةٍ صحيحةٍ عن تاريخ عقائد وسِيَرِ الأنبياء والمرسلين، والدِّين الإسلاميِّ الذي دعوا إليه، وكذلك تاريخ الشُّعوب المسلمة التي سكنَتْ فلسطين وبيت المقدِس، مِن أجل التَّأكيد إسلاميَّة فلسطين.

وفي المبحث الأوَّل من الدِّراسة تناول المُؤلِّفان عددًا مِن الأدلَّة على تحريف اليهود للكُتُبِ المُقدَّسة لدى اليهود والمسيحيِّين، التَّوراة والإنجيل، من أجل تحقيق غاياتهم، والتي مِن بينها الاستيلاء على فلسطين وبيت المقدس، وركَّزَتْ الدِّراسة في هذا الإطار على عددٍ مِن النُّصوص القرآنيَّة الكريمة والنَّبويَّة الشَّريفة التي تؤكِّد على ذلك.

ومن بين ذلك قوله "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" في حديثٍ صحيحٍ أخرجه البُخاريُّ: "إنَّ أهل الكتاب قد بدلوا كتاب اللهِ وغيَّروه وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا هو من عند اللهِ ليشتروا به ثمنًا قليلاً"، وقول اللهِ تبارك وتعالى في سورة المائدة: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41).

ويضيف المُؤلِّفان في هذا المبحث أنَّ اليهود عندما أدركوا أنَّ شرائحَ عريضةً مِن النَّاس لن تقرأ التَّوراة المُحرَّفة أو التَّلمود المكتوب؛ لجأوا إلى تسخير التَّاريخ في خدمة مشروعاتهم، فزوَّروا تاريخ فلسطين والأنبياء، وشَوَّهوا تاريخ الرُّسُلِ والأرض المُقدَّسة من أجل تحقيق مُخطَّطاتهم هذه.

المبحث الثَّاني مِن الدِّراسة تناول بعض نماذج للكُتُب والموسوعات التَّاريخيَّة التي وضعها المُؤرِّخون الغربيُّون من أجل تزوير حقائق التَّاريخ في فلسطين والمشرق الإسلاميِّ لأجل إنجاح المُخطَّطات الصُّهيونيَّة والغربيَّة، ومن بينها:

-        موسوعة "قصَّة الحضارة" لوول ديورانت [المُجلَّد الأوَّل/ الجزء الثَّاني].
-        كتاب "الحضارات السَّامية القديمة" تأليف س. موسكاتي، وترجمة السَّيِّد يعقوب بكر.
-        كتاب "الشَّرق الخالد" للدكتور عبد الحميد زايد.
-        رسالة دكتوراه بعنوان "سياسة الاستعمار والصُّهيونيَّة تجاه فلسطين في النِّصف الأوَّل من القرن العشرين" للدُّكتور حسن صبري الخولي.

وأكثر ما يُركِّز عليه المؤلِّفان في تناولهما لما جاء في هذه المصادر من تخريب وتحريفٍ للتَّاريخ، هو الاتهامات المُوجَّهة لأنبياء بني إسرائيل واليهود، وخصوصًا نبيَّا اللهِ سُبحانه وتعالى داوود وسُليمان "عليهما السَّلام"، بأنَّهم كانوا على شريعة اليهود المُحرَّفة، وأنَّهم كانوا يعبدون إله اليهود "يهوه".

المبحث الثَّالث حاول تقديم بعض النَّماذج المُقابلة مِن الدِّراسات والكُتُبِ الموثوق فيها، والتي تُقدِّم الصُّورة الحقيقيَّة لتاريخ فلسطين وتاريخ أنبياء اللهِ ورُسُلِه، وعلى رأسها بطبيعة الحال القرآن الكريم والأصحاح الخاصَّة بالحديث النَّبويِّ الشَّريف، ومن بين الكُتُب التي ينصحا بها في الإطار أيضًا:

-        كتابٌ بعنوان "أخطاء يجب أنْ تُصحَّحَ في التَّاريخ: الإسلام دينُ اللهِ في الأرض وفي السَّماء.. مَدخلٌ إلى الدِّراسات التَّاريخيَّة".
-        كتابٌ بعنوان "أخطاء يجب أنْ تُصحَّحَ في التَّاريخ: سيرة إبراهيم وإسماعيل وهاجر (عليهم السَّلام) وتاريخ حرم اللهِ الآمن وبيت اللهِ العتيق ومكَّة المُكرَّمة".
-        كتاب "أخطاء يجب أنْ تصحَّحَ في التَّاريخ: ذُريَّة إبراهيم "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" والمسجد الأقصى".

والكُتُب الثَّلاثة هي للدُّكتور جمال عبد الهادي والدُّكتورة وفاء رفعت، وصدرَتْ عن دار طيبة بالرِّياض ودار الوفاء بالقاهرة.

ومن بين أهمِّ الرَّسائل التي حاول عبد الهادي ووفاء تقديمها من خلال هذه الكُتُب إثبات إسلاميَّة الرِّسالات التي جاء بها أنبياء بني إسرائيل واليهود، ودحض الافتراءات التي قِيلتْ في شأن بناء سيدنا سليمان "عليه السَّلام" لما يُعرف عبرانيًّا بالهيكل لعبادة إله اليهود، وإنَّما ما قام به هو بناء المسجد الأقصى لعبادةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
..........؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
وفي الأخير؛ فإنَّ هذه الدِّراسة مِن الأهمِّيَّة بمكانٍ، بحيث إنَّها تفتح المجال أمام المزيد من الفهم لحقائق وصَيرورات الصِّراع مع اليهود في فلسطين وعليها، باعتبار أنَّه صراعٌ شاملٌ تُسْتَخْدَم فيه مختلف الأدوات، بما في ذلك العمل الأكاديميِّ في المجال التَّأريخيِّ.

كما إنَّها دراسةٌ تدحض الزَّيْف، وتُصحِّحُ الوعي، وتُقدِّم الكثير من الأفكار التي يُمكن من خلالها تنوير الأجيال الجديدة والقادمة بحقائق الصِّراع في فلسطين وعليها، تلك الأجيال التي سوف تسترد المسجد الأقصى، بعد أنْ تمتلك الشُّروط التي حدَّدها القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة الشَّريفة، والتي تُحقِّق سُنن النَّصر، وتتفادى أسباب الهزيمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار