السبت، 9 أكتوبر 2010

من أسرار الحكومة الإسرائيلية قبل وأثناء حرب أكتوبر

بقلم محسن هاشم
كشفت صحيفة 'يديعوت' أمس الأربعاء , أسرار إرتباك أركان الحكومة الإسرائيلية قبل و أثناء حرب أكتوبر عام 1973 وفشــلهم في تقدير موقف السادات وتفكيرهم بقصف دمشق و ذلك من خلال نشر الصحيفة لمعلومات سرية عن إجتماعات الحكومة الإسرائيلية , تشير إلى محاولة قادتها الخروج بأفكار عملية سريعة لتجنيب إسرائيل خطر وجودها .
و أفاد نفس المصدر بان هذه الوثائق السرية كشفت عن مدى الشعور بالصدمة الذي إنتاب القيادات العسكرية الإسرائيلية في بداية الحرب مع مصر وسوريا وطريقة ادارتهم للمعركة في ظل الهجوم الخاطف والمفاجئ للقوات العربية و تكشف جلسات الإجتماعات عن السبيل الذي أدار فيه قادة إسرائيل المعركة في الأيام الأولى في ضوء الإهمال الإستخباراتي الإسرائيلي من الجبهتين و في ضوء الاجواء العسيرة التي اجتاحت إسرائيل في اعقاب النجاحات العسكرية الاولية لمصر وسوريا .
إجتماع طارئ للحكومة قبل إندلاع الحرب بستة ساعات
قبل إندلاع حرب أكتوبر عام 1973 بستة ساعات , إجتمعت الحكومة الإسرائيلية بشكلٍ طارئ , برئاسة 'جولدامائير' و بحضور رئيس الأركان في حينه 'دافيد العيزر' و رئيس الإستخبارات العسكرية الجنرال 'إلي زعيرا' و قد دونت كل كلمة في إطار بروتوكولات تتكون من أحد عشرة صفحة و تعتبر من الوثائق السرية جداً و التي تم الكشف عنها الليلة من خلال الأرشيف الوطني الإسرائيلي و التي تدل على حجم الإهمال و قد إستمع الوزراء إلى حديث رئيس الأركان أوضح من خلاله تلك الرسالة التي وصلت من الجاسوس ' أشرف مروان' و التي تتضمن إقتراب موعد المعركة .
و مع ذلك فإن وزير الدفاع آنذاك 'موشيه ديان' كان يعارض شن ضربة وقائية و كذلك إستدعاء الإحتياط العام بذريعة أنه لا يريد أن يسمع إنتقاداتٍ من العالم والأسرة الدولية و يتهمونه بأنه رجل عدائي
أما رئيس الإستخبارات العسكرية فكان متغطرس و متجبر و قال هم يعلمون جيداً بأنهم سيخسروا الجولة .
أما 'جولدامائير' فقد كان رأيها أقرب إلى توجيه ضربة إستباقية
جلسة الحكومة هذه و التي كانت في تمام الساعة 8,5 بتاريخ 6 أكتوبر عام 1973 ؛ إختار وزير الدفاع أولاً أن يطرح قضية عرب ال48 قائلاً يجب أن يسمح لهم بالعمل و أن يترك كل شئ على طبيعته و عدم إغلاق الجسور و إذا أرادوا الهروب فلهم ذلك ', كذلك إقترح 'ديان' إخلاء القوات العسكرية من هضبة الجولان .
أما ' جولدامائير ' رئيس الحكومة لم تكن تتصور أنه حتى و قت ساعات الظهر ستكون إسرائيل في وطيس معركةٍ حامية و إقترحت أن يكون إخلاء فوري ولو في ساعات المساء أما رئيس الأركان فكان على يقين بأن إسرائيل تواجه حالة حرب حقيقية و بعد الإنتهاء من الأمور التكتيكية قال ' ديان' أن الولايات المتحدة ليس لديها علم بأي دلالات للحرب كذلك إنهم لا يعلمون أي تفسيرٍ لإخراج الخبراء الروس و عائلاتهم من مصر , لكن 'ديان' من جانبه أراد أن يرسل تحذيراً لملك الأردن 'حسين بن طلال' بعد تبادل الرسائل بين مصر و سوريا و الأردن و قال : ' إذا بدأت أجهزة الرادار الأردنية بالعمل سنقوم بقصفها
كان إقتراح الضربة الإستباقية يتردد بين فينة و أخرى خلال إجتماع الحكومة و رئيس الأركان لا يقبل التأويل و قال : 'إن الضربة الوقائية و الإستباقية ستوفر علينا كثيراً لأنها تعتبر كبح جماح للعدو و بعدها ستكون الضربة الهجومية لأن المعركة قد تكون جدية و مضى قائلاً : إننا من الناحية الفعلية نستطيع في الساعة الثانية عشر تدمير سلاح الحدود السوري بأكمله كما أننا بحاجة إلى 30 ساعة بعد ذلك من أجل القضاء على القوة الصاروخية فإذا كان السوريون ينوون توجيه ضربة عسكرية في الساعة الخامسة مساءً فنحن في هذه
الساعات المتبقية سنمنح سلاح الجو فرصة للعمل بحرية حتى ذلك الحين و لدينا من الوقت أربع ساعات من الممكن أن نستمع خلالها إلى رأي الأمريكان و نتأكد من خلال معلوماتهم عن جدية ما يدور على أرض الواقع .
هنا يتدخل وزير الدفاع 'دايان':
و يقول دايان مفسراً نحن لا نريد أن نضرب ضربة إستباقية لأننا لا نعلم عما إذا كانت الحرب ستكون مشتركة مع المصريين و السوريين أم لا و عليه فنحن لا نستطيع أن نقوم بذلك حتى قبل خمس دقائق من موعد المعركة لأن مصر إذا دخلت المعركة و حدها لا نستطيع أن نضرب سوريا فمن ناحية أساسية إذا قاموا بفتح النار سنفتح النار أيضاً .
كما أن الرسالة التي وصلت من الجاسوس المصري آنذاك ' أشرف مروان' حظيت باهتمام رئيس الأركان
و هنا إتضح مدى الإهمال الحاصل و العميق بعدم إستدعاء الإحتياط في الوقت المناسب فإن قوة الجيش الإسرائيلي تتمثل في 25% نظامي و 75% إحتياط و عليه يجب تعزيز القوات فوراً فنحن بحاجة إلى 24 ساعة من أجل إستدعاء الإحتياط .
ديان :' إن إستدعاء الإحتياط قبل إطلاق النار يعطي عنا إنطباعاً بأننا عدوانيون'
هذا ما صرح به وزير الدفاع ' ديان ' مع خلفية المطالبة باستدعاء الإحتياط و قد إستهان بالأمر و أن الحرب ستبدأ في السويس و الجولان أولاً و لن يكون هناك قصف طرق و لن تقصف المدن و أن الأمر مغاير تماماً لما حدث في عام 1967 و أضاف بأن عملية إستدعاء الإحتياط قبل إطلاق أي طلقة ستعطي عنا إنطباعاً للعام بأننا عدوانيون , كما أقترح أن تكون قضية إستدعاء الإحتياط بشكل جزئي و حتى الساعة السادسة مساءً كان و أن العدد الذي يتوقعه قد يصل إلى 60 ألف جندي و قال : أنا أفضل إستدعاء جميع عناصر سلاح الجو و كتائب الدبابات و إذا تطلب الأمر المزيد من تلك الإمكانيات فنحن جاهزون لذلك و أضاف أنه كل الأحوال سيقول الكثيرون بأننا هجوميون و عدوانيون
رئيس الأركان من جانبه أخبر الوزراء بأنه بحاجة إلى إستدعاء 200 ألف من الإحتياط و قال من الأفضل أن نخوض المعركة و ننتهز الفرصة بدلاً من أن لا نفعل ذلك و فجر أذيال الهزيمة كان عدد الإحتياط في الفرقبين 70 ألف و 200 ألف على كل الأحوال سيقولون ما لديهم , و لفت مساعد وزير الدفاع الإنتباه أنه في حالة إستدعاء جمبع الإحتياط فإن ذلك قد يحدث شللاً في إسرائيل و نقطة الضعف هي في وسائل النقل فجيش الدفاع سيأخذ جميع الحافلات و وسائل النقل العامة .
تدخلت جولدمائير قائلةً : إن عملية إستدعاء الإحتياط يجب أن تكون على مراحل و حسب التطورات و أما بالنسبة الطريقة الوقائية فهذه المرة
ليست كحرب 1967 فالعالم بأجمعه ينظر إلينا بخسةٍ و حقارة فإذا بدأت المعركة في الجنوب فقط أي على الجبهة المصرية فليس هناك أي شكل و كل ذلك يتضح جلياً خلال اليوم و في نهاية إجتماعهم الذي إستمر ساعة و ربع إتفقوا على إستدعاء الإحتياط بكامله حسب رغبة رئيس الأركان .
صباح أول أيام الحرب إكتشاف إهمال الإستخبارات الإسرائيلية :
كما إقترح قائد الإستخبارات العسكرية التوجه إلى الأمريكان و إخبارهم بالمعلومات الإستخباراتية حول المعركة
من جانبها 'جولدامائير' كانت عازمة على إشراك الطاقم الدبلوماسي في البلاد , أما 'ديان' كان مع رأي الإستخبارات و أن الأمر يقتصر على الأمريكان فقط .
و كانت 'جولدامائير' مصرة على إستدعاء الدبلوماسيين الأجانب و غيرهم أيضاً و لكن في نهاية الإجتماع إتفقوا على إعلام القيادة الأمريكية فقط , بأن هناك تركيز قوات على الحدود و إستدعاء إحتياط في الطرف الآخر
لكن رئيس الإستخبارات العسكرية عاد و قال بأن الحرب في هذه اللحظة ليست حقيقية مؤكدة أنه بالرغم من تلك الإستعدادات فالعرب يعلمون جيداً بأنهم منهزمون و بأن الرئيس 'السادات' في حالة لا تسمح له بخوض أي معركة و أن هناك عدم توازن في القوة بين الطرفين .
و هنا تتدخل جولدامائير ' متسائلة :
هل الوضع الآن يختلف عما كان عليه عشية حرب عام 1967 و هنا تحصل إجابة جازمة بأن السادات لم يصدر قراراً لقادة الجيش بالخروج إلى الحرب ؟
رئيس الإستخبارات يجيب :
أ _ يجب إستدعاء الإحتياط
ب _ إذا قمنا بإبلاغ السادات من خلال الأمريكان بأننا على علم جيد بأنه ينوي خوض الحرب و نحن على جاهزية تامة و أنه لن يملك عنصر المفاجأة ربما ذلك يكون له تأثير على قرار السادات و هناك أمور أخرى من الممكن عملها .
الإهمال الإعلامي تسبب في عدم كشف المعلومات في الوقت المناسب
تردد وزراء الحكومة الإسرائيلية في الكشف عن المعلومات التي أرسلها الجاسوس 'أشرف مروان' و التي كانت حقيقية و مؤكدة من أجل منع حدوث هجوم
أنذاك قالت 'جولدمائير ' ما المانع من أن تقبل إسرائيل باقتراح الجاسوس أشرف مروان ولماذا لا تقوم إسرائيل بالإقتراح على و كالات الأنباء الأجنبية الإعلان عن إخلاء الخبراء الروس و عائلاتهم من سوريا و مصر و كان من الممكن أن تعلن تلك الوكالات عن الإستعدادات العسكرية على الحدود الجنوبية و الشمالية للعمل على هدم عنصر المفاجأة لدى المصريين و السوريين, كما أنهم في عام 1967 لم يحاولوا إخفاء أي شئ و لكن هذه المرة هم يخفون الحقيقة ظناً منهم بأننا لا نعلم شيأً
لكن وزير الدفاع ' ديان' كان يعتقد أن مثل هذه الإعلانات من شأنها أن تضر بدولة إسرائيل و كان رأيه يميل إلى أن يقوم الأمريكان بابلاغ الروس بأن العرب يستعدون للحرب لكي لا تعلن وسائل الإعلام بأننا على وشك الهجوم
في اليوم الثالث للمعركة حدث تشويش و إرتباك الكبير حول الأنباء الميدانية للمعركة
عاد في اليوم الثالث للحرب الميجر جنرال إحتياط 'حاييم برليف' , الذي إستدعى إلى أرض المعركة و تحدث عن الوضع في جبهات القتال . فخلال إجتماع عقد في اليوم الثالث للمعركة في الساعة الثامنة مساءً في بيت 'جولدامائير' إتضح التشويش و الإرتباك الكبير حول الأنباء الميدانية التي تتوافد من أرض المعركة حتى أن رئيسة الوزراء نفسها لم تستوعب ما يدور في الجبهات و قالت أريد أن أفهم ما هو وضعنا الآن في قناة السويس هل يسير إلى الأسوء إم إلى الأفضل , فقد كان هناك عدم وضوح عن مكان تواجد قائد الكتيبة 162 في سيناء و برليف
أيضاً تحدث ' حاييم برليف' عما يدور على الجبهة الشمالية في الجولان قائلاً :
لقد قمت الليلة الماضية بالتجول بين الكتائب على الجبهة السورية و كانت الأجواء إيجابية و قد قامت القوات بأعمال متقطعة النظير و قد أحرقت هناك عشرات الدبابات السورية وكان الوضع تحت السيطرة بشكل كامل هناك و لكن لا يوجد حالة إنهيار للسوريين حتى ذلك الوقت فعندما كان برليف يتحدث عن مكاسب في الجبهة السورية فقد كان هناك محاولة لإعادة أحد المواقع الأمامية و الذي سقط بأيدي السوريين قبل يومين مع بدء المعركة , حيث فقد الجيش الإسرائيلي العديد من عناصره و لكن دون جدوى و أن كتيبة 269 تحاول إصطياد الدبابات السورية من أجل تحطيم القوات السورية في أرض المعركة و نحن نطلق نيران المدفعية على أماكن تواجدهم و لا يوجد لدينا خطة هجومية معينة
حينذاك تذكر الوزير ' إيجال ألون ' الكيبوتس الذي يقطنه قائلاً : ' لو كان السوريون أكثر جرأة لوصلوا إلى ذلك الكيبوتس و الذي يقع على الشاطئ الغربي لبحيرة طبريا و ربما لحققوا إنجازات ملحوظة ,في ذات السياق تطرق آخرون إلى القيود التي تتسبب قي عرقلة سلاح الجو من العمل بحرية بسبب تقارب القوات آنذاك , كما أن 'برليف' بدوره ذكر الإمكانيات التي حظي بها الجيشين المصري و السوري على حد سواء و هي دبابة من صنع روسي تعمل و تتحرك و تطلق النار في الظلام و قد تفاجأنا بذلك منذ الليلة الأولى و عرفنا انهم حصلوا على هذا النوع من السلاح و نحن نأخذ ذلك في الحسبان
أيضاً 'إيجال آلون' عاد و إقترح ضرب أماكن إستراتيجية في سوريا قائلاً : بما أن دمشق قريبة و لكن من الممكن أن نقصف ليلاً محطة توليد الكهرباء من الجو و مصفاة البترول , و هيئة الأركان و بعد ذلك الأماكن المحيطة في العاصمة و الحكومة ستتزلزلان على حدٍ سواء فربما ذلك يدل يذلل صلابة الموقف السوري الذي مازال قائماً .
أما السكرتير العسكري لرئيسة الحكومة العميد 'إسرائيل ليؤر' فقد تحدث عما يدور على الجبهة المصرية و أعطي تقريراً مفصلاً عن سير المعركة هناك و مرة ثانية تعم الفوضى حيث قام رئيس الموساد و دحض ما قاله السكرتير العسكري , بأن القوات الإسرائيلية لم تصل إلى قناة السويس و لكن السكرتير العسكري أكد بأن إحدى القوات الإسرائيلية وصلت إلى قناة السويس و طلبت بإبقاء الجسور على القناة من أجل عبورها .
فجر السكرتير العسكري قنبلة في نهاية الجلسة من خلال معلومةٍ خطيرة بأن إسرائيل ستتعرض الليلة إلى غارة جوية عنيفة مشتركة سورية مصرية عراقية و مع ذلك فإنه يقول و حسب مصادر الإستخبارات بأن تلك الغارة إحتمالاتها ضئيلة .
بعد تلك الضربات التي تلقاها جيشالإسرائيلي على الجبهتين فإن هناك تخوفات لدى رئيس الموساد أن تتدخل الأردن في المعركة و يحذر من تخفيف عدد القوات في غور الأردن محذراً من ملك الأردن في حالة فعل ذلك لكن 'جولدامائير' إعتقدت بأن ملك الأردن ينقل معلومات كاذبة إلى مصر و هو لا ينوي في هذه الأثناء الدخول إلى المعركة و مضت قائلة : عن الأردن أعلنت اليوم مرتين بأنها أسقطت طائرات لسلاح الجو الإسرائيلي و هذه أخبار عارية عن الصحة فالسادات يضغط و كذلك الأسد .
و قد إتضح بعد ذلك أن الملك حسين كان قد حذر 'جولدامئير' قبل و قتٍ قصير من نشوب المعركة .
هذه مقاطع من اجتماعات سرية يتضح فيها مدى قلق زعماء إسرائيل بأنها تسير نحو الضياع وأنها تفقد عناصر تفوقها وذلك بعد 37 عاما على حرب السادس من أكتوبر 1973، بين الجيشين المصري والسوري من ناحية وبين الجيش الإسرائيلي من ناحية أخرى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار