الاثنين، 24 يناير 2011

غزة تحت الانذار الدموي

بقلم محسن هاشم
قطاع غزة، يعيش في ظل المفارقات الحادة، ومن بين أبشع هذه المفارقات وأكثرها ألماً هو ما حدث ليل الخميس فجر الجمعة أمس، حين كان القطاع كله مسرحاً لعربدة الغارات الجوية الاسرائيلية، من أنفاق رفح جنوباً الى منطقة القرارة والوسط ومدينة غزة نفسها ومنطقة الشمال أيضاً، وهي غارات لم تقتصر على القتل فقط، وانما اختار لها الاسرائيليون شكل العربدة المبالغ فيها التي أعادت الى الأذهان أجواء الحرب الأخيرة التي مازلنا لم نتخلص من ذكراها الأولى!!!
ونقطة المفارقة المفجعة، أن ذلك كله جرى بعد لحظات من انتهاء الاحتفال الرئيسي بقدوم قافلة شريان الحياة التي يقودها النائب البريطاني جورج غالاوي، وهي القافلة التي صاحبها أكبر قدر من الدعاية السوداء ضد الشقيقة مصر، عندما حاولت العبور الى قطاع غزة ولكن عبر سواحل مصر مع البحر الأحمر!!! ثم عودتها من العقبة الى دمشق ثم الى ميناء اللاذقية ومنها الى ميناء العريش الذي هو أقصر الطرق الى غزة!!! وما صاحب هذه الرحلة الطويلة المفتعلة من أجواء انتهت بالأحداث المأساوية على الحدود مع مصر، ثم جاءت هذه العربدة الاسرائيلية الدموية، لكي تعيد الى العقول الغائبة الحقيقة الكبرى، وهي أن العدو هنا وليس هناك، انه الاحتلال الاسرائيلي، والجيش الاسرائيلي، والطائرات الاسرائيلية التي تحول البيوت الى ركام والأجساد الى أشلاء!!!
وفي سياق المفارقة المفجعة نفسها، فان جورج غالاوي حظي بما لم يحلم به قط، كان في جو الاحتفالات مثل أمير الأحلام، بل أكثر من ذلك، كان مثل "الملاك الهابط على بابل" وفي يديه علامة الانقاذ والخلاص، ثم، وبعد هنيهات فقط، جاءت الطائرات الاسرائيلية، الزنانات دون طيار، والأباتشي، وقاذفات الـF16، لتثبت أن ذلك العرس وما صاحبه من هرج ومرج ليس الا ضرباً من الأوهام!!! وأن قطاع غزة يعيش على مدار اليوم والساعة والدقيقة تحت سقف الانذار الدموي!!! بلا حصانة بلا أي نوع من الحصانة، وأن فرصة الانقاذ الوحيدة لقطاع غزة هي أن نعود جزءاً من السياق الفلسطيني، وأن يكون جزءاً من معادلة الأمن القومي العربي، وأن يعود جزءاً من الحراك العربي، وأن لا يظل هكذا "مضرب عصا"، لهذا التفلت الاسرائيلي وهذا التشنج الاقليمي!!!
اسرائيل التي أعلنت أمس أنها اختبرت بنجاح برنامج درعها الصاروخي المسمى بالقبة الفولاذية، لم تنتظر حتى أيار المقبل لاستكمال تركيب وتجهيز هذا النظام في الميدان، بل استخدمت عربدة القوة التقليدية ضد قطاع غزة، وهي تكرر نفس الأسباب، سقوط صاروخ من هنا، وعدة قذائف مورتر من هناك، أين اتفاق التهدئة؟؟؟ وأين الاتفاق الفلسطيني على عدم اطلاق الصواريخ؟؟؟ وهل مطلقو الصواريخ والقذائف كانوا يتوهمون مثلا أن وجود جورج غالاوي سيمنع اسرائيل من الرد؟؟؟ أم أنهم أطلقوا هذه القذائف لكي يثبتوا أن ضجيج شريان الحياة ليس سوى ضجيج فارغ أمام قسوة الحقائق على أرض الواقع؟؟؟
اسرائيل، وخلال الثماني والأربعين ساعة الأخيرة، حاولت أن تعيد الى ذاكرة أهل قطاع غزة المكتظين بضيق المكان، وصور الركام، وانغلاق الأفق، حاولت أن تعيد الى ذاكرتهم بانوراما الحرب، الحرب التي حين تحدث، فان أحداً لا يدفع ثمنها سوانا، ولا أحد ينزف دمه سوانا، ولا أحد يعيش أطفاله كوابيس الموت الأسود سوانا!!! ويكون مفهوماً أن ندفع كل هذا الثمن ضمن معادلة نصنعها نحن، أو نشارك فيها نحن، أما أن ندفع هذا الثمن في سجالات الآخرين، وتشنجاتهم، وحروبهم، وزفاتهم الدعائية، فهذا هو العذاب بعينه.
ألف رحمة للشهداء
وألف أمنية للأطفال الذين مازالت ذاكرتهم مسكونة بأشباح الموت.
وألف تحية للناس في قطاع غزة، الذين يحلمون بالقيامة من بين الأنقاض فاذا بهم يغرقون في أنقاض جديدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار