الاثنين، 24 يناير 2011

لماذا يتعلم اليهود العربية؟

بين التمكن من الحديث مع المواطنين الفلسطينيين باللغة العربية في إطار التعايش على الأرض المغتصبة، وبين البحث عن أساليب جديدة للحماية عبر معرفة الطرف الآخر
ومواطن ضعفه واستغلالها، من أجل تحقيق مصالحه كمحتل ومغتصب، والحاجة أيضًا لمجابهة أي خطوات بطريقة استباقية، تراوحت الأهداف التي ادعاها المستوطنون، وبيَّنها المحللون من مشروع إلزام طلاب المرحلة الابتدائية في المستوطنات بتعلم اللغة العربية، خلافًا لنص القانون الصهيوني الذي يلزم الطلبة بتعلم اللغة العربية في المرحلتين المتوسطة والثانوية.
فمع إطلالة العام الدراسي المقبل في سبتمبر/أيلول، سيكون لزامًا على الطلاب المستوطنين في المرحلة الابتدائية تعلم أبجديات اللغة العربية.
"القدس أون لاين" في سياق التقرير التالي يرصد المشروع والأهداف منه كما يدعيها المستوطنون، ويقرؤها المحللون، تابع معنا.
لم يعد العرب وحدهم خاصة الفلسطينيين الذين يتطلعون لتعلم اللغة العبرية، فالمستوطنون أيضًا بدءوا يتخذون خطوات عملية لتعلم اللغة العربية، حيث قرر مستوطنو أفرات جنوبي بيت لحم إضافة مادة اللغة العربية إلى مناهج التعليم للمرحلة الابتدائية، بعد أن كان تعليمها، وفقًا للقانون الصهيوني، ملزمًا للمرحلة المتوسطة والثانوية، وبحسب صحيفة معاريف الناطقة بالعربية، فإن القرار الجديد الصادر عن المستوطنة يستهدف تعليم 3000 طالب من المستوطنين بالمرحلة الابتدائية اللغة العربية، وأشارت الصحيفة إلى أنه تم استقدام مدرسين للغة العربية من القرى المجاورة للمستوطنة، ومن ثمَّ بادر مجلس المستوطنة بطرح فكرة تجنيد مدرسين فلسطينيين لتدريس اللغة العربية للمستوطنين؛ إلا أنها وُوجهت بالرفض.
وبحسب رئيس مجلس المستوطنة، عودد رفيفي، فإن الهدف من تعليم الطلاب بالمرحلة الابتدائية اللغة العربية يأتي في إطار توسيع دائرة المتحدثين باللغة العربية، كونها لغة مهمة وضرورية للطلبة لظروف- وصفها بالموضوعية- لا تتعدى طبيعة المنطقة التي يعيشون فيها، مؤكدًا أن مجلس المستوطنة اتصل برؤساء القرى الفلسطينية لاستقدام مدرسين للغة العربية يقومون على تعليم الطلبة في المرحلة الابتدائية، إلا أنهم لم يبدوا أي تعاون رغم ترحيبهم بالفكرة.
وأشار إلى أن المستوطنين تربطهم علاقات وطيدة مع الفلسطينيين، وشاركوهم في تظاهراتهم المناهضة للجدار مدعيًا أن الفلسطينيين يعيشون في نفوذ المستوطنة يتنقلون داخلها بحرية، ويذهبون إلى أراضيهم الزراعية، ويجنون محاصيلهم، ويعتنون بأرضهم دون أدنى مضايقات، نافيًا أن يكون سعيهم لتعليم أبنائهم اللغة العربية منذ الصغر لتحقيق أهداف خبيثة تمكنهم من حماية أنفسهم من الفلسطينيين، وأضاف قائلاً: "نرغب في تطوير العلاقات الاقتصادية الاجتماعية والاقتصادية مع الفلسطينيين، من أجل التعايش السلمي فقط"، لافتًا إلى أن المستوطنين في مستوطنة أفرات هم تجمع سكاني مدني لا تربطهم أي علاقة بأي جهاز أمني عسكري في المؤسسة الصهيونية.
دحض ادعاءات المستوطنين
وخلافًا لما أورد رفيفي، يؤكد الكاتب والصحفي في الأراضي المحتلة عام 1948، وديع العواودة، في حديث خاص مع "القدس أون لاين"، أن اتجاه المستوطنين لتعلم اللغة العربية، وإلزام الطلبة من المرحلة الابتدائية على غير القانون القاضي بإلزام تعليمها في المرحلتين المتوسطة والثانوية لم يكن من باب الأحلام الوردية للمستوطنين، وليس أيضًا لأنهم اكتشفوا مؤخرًا وقوعهم في غرام لغة الضاد، وإنما أرادوا تعلمها كتابةً وشفهيًا لأغراض خبيثة تخدم مخططهم الاستيطاني التهويدي، وأكد أن ذلك الاتجاه وسيلة كولونيالية تهدف إلى التعرف على لغة العدو "الفلسطينيين"، وذلك في إطار استمرار واستكمال مشاريع وعمليات الاستغراب التي قامت بها الحركة الصهيونية من قبل النكبة، وأضاف: إن إجازة لغة الآخر باعتقادهم، وكما هو معروف تساعد في النيل منه، والتعرف على مواطن الضعف لديه، ومحاولة تحقيق أهداف يصعب تحقيقها في حال عدم إتقان اللغة التي يتحدث بها، واستكمل العواودة قائلاً: "عملية اتجاه المستوطنين لتعلم اللغة العربية قد تكون ظريفة؛ لكنها ليست مفاجأة ولا إيجابية ولا طيبة، ولا تندرج ضمن أي عناوين التبادل الثقافي، أو التعرف على الآخر بدوافع إنسانية"، على حد تعبيره.
سعي لنشر اللغة العربية
وحول إمكانية انتشار اللغة بشكل أوسع في المدى القريب، أوضح العواودة أن وزير التعليم كان قد أقر مؤخرًا بزيادة مناهج اللغة العربية في المدارس، وعقب قائلاً: "لا ندري إن كان ذلك مجرد شعار أم لا"، لافتًا إلى أن تعليم اللغة العربية في المدارس يختلف كثيرًا عن تعليمها للكبار، خاصة في ظل السياسة الصهيونية التي تعتبر التعليم في المدارس، خاصة وأن تعليم المدارس يهدف للحشد والتعبئة وشيطنة الآخر، وتجنيد الأجيال من أجل مواصلة القتال والحرب تحت مسميات مختلفة من الدفاع عن الوطن والأرض والشعب، وأضاف: إنه في ظل المعطيات السابقة، فلا يمكن أن ينسجم تعليم اللغة العربية مع مساعي الشيطنة، ونزع الشرعية عن كل ما هو عربي، واستطرد قائلاً: "أشك أن تقوم وزارة التربية والتعليم الصهيونية بهذا العمل"، لافتًا إلى أن اللغة العربية تستخدم في أوساط الدوائر الاستخباراتية، وفي المؤسسات الأكاديمية، مؤكدًا أن الرغبة والخطة الجديدة التي أقرتها مستوطنة أفرات جنوبي بيت لحم جاءت في إطار محاولتها لتمكين سيطرة وقبضة المستوطنين على الحيز، والبحث عن مواطن ضعف في الطرف الآخر "الفلسطيني" ليس أكثر.
للتميز والارتقاء
فيما أوضح د. محمود محارب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، أن قرار الإلزام بتعليم أبناء المستوطنين اللغة العربية منذ المرحلة الابتدائية يأتي في إطار تحقيق المتطلبات الأساسية للانخراط في الأجهزة الأمنية الصهيونية، على حد تعبيره، نافيًا أن يكون بهدف التعايش السلمي وتبادل المعرفة والثقافة، كما يدعي المستوطنون، وأكد أن المتلهفين لدراسة اللغة العربية من المستوطنين من فئة الأشكناز القادمين من أوروبا، والذين طالما رفضوا تعلمها منذ أن وطئت أقدامهم الدولة العبرية، والسبب، بحسب تقديره، طموحهم الكبير في التميز والارتقاء، والحصول على أعلى المناصب في الأجهزة الأمنية التي يعمل غالبيتهم فيها، قائلاً: "إن اللغة العربية هي مفتاحهم للوصول إلى المناصب الهامة، سواء في الجيش أو الأجهزة الاستخباراتية"، وأضاف: إن المستوطنين يحاولون التعرف على العادات والثقافات والتقاليد الفلسطينية؛ ليتمكنوا من وضع الخطط الاستراتيجية؛ ليتمكنوا من إدارة الصراع مع الفلسطينيين.
وتشير السيدة ليلى، وهي مدرسة متقاعدة من القدس، أن تعلم المستوطنين للغة العربية منذ الصغر ومع بداية المرحلة الابتدائية يصب في تحقيق أهداف سياسية تخدم مصالحهم وطموحاتهم؛ للارتقاء بمستوياتهم الوظيفية في الأجهزة العسكرية التي يعملون ضمنها، خاصة فئة الأشكناز، وأضافت لـ"القدس أون لاين": "لا عجب أن ترى أحد المستوطنين يرتدي الزي التراثي الفلسطيني، ويحدثك بلغة عربية متقنة بهدف نقل المعلومات، واكتشاف مواطن الضعف، وحماية المصالح الشخصية"، لافتة إلى أن أكثر تقربهم من الأطفال بحيث يحصلون على المعلومات التي يريدون، باستغلالهم لبراءتهم، على عكس المواطنين الكبار الذين يكونون أكثر حرصًا وفهمًا لأهدافهم الخبيثة.
من باب الخوف
ويرى المحلل والإعلامي الفلسطيني، ناصر اللحام، من مدينة بيت لحم، أن اتجاه المستوطنين لتعلم اللغة العربية، وإلزام الطلاب منذ المرحلة الابتدائية بتعلمها ردة فعل أساسها الخوف، ودافعها محاولة البحث عن الحماية، وليس من باب التبادل الثقافي أو المعرفي، مشيرًا إلى أن ذلك يعكس عدم ثقة المستوطنين في حكومتهم، ويبحثون على حلول فردية.
من ناحية أخرى، أكد في حديثه لـ"القدس أون لاين"، أن تعلم اللغة الأجنبية من البشر شيء مفيد، إلا أن المستوطنين لا يبتغون تعلم اللغة من أجل الاستفادة، ولكن من أجل حماية أنفسهم ومصالحهم، لافتًا إلى أن الجيل الصهيوني الأول، أمثال: رابين، وغولدمائير، ووايزمن وبيرس كانوا يتقنون اللغة العربية، لكن الأجيال المعاصرة وخاصة بعد بناء الجدار العنصري العازل، أصبحت هناك حالة انخفاض معرفي، على حد تعبيره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار