الاثنين، 24 يناير 2011

مدينة القدس منذ الفتح الإسلامي وحتى الاحتلال الصليبي

بقلم محسن هاشم
لم تحظ الكتابة التاريخية حول القدس باهتمام كبير مثل الكتابة الدينية عن المقدسات في المدينة وتفسيرات الصحابة والعلماء للأحداث الدينية مثل الإسراء والمعراج، ووصف المسجد الأقصى أو الكتابة السياسية التي تتناول الصراع حول المدينة ومركزها القانوني.
ويخصص المؤلف هذا الكتاب لإلقاء الضوء على تاريخ المدينة في الفترة التاريخية التي تهدف فيها سيادة عربية وإسلامية، وحتى الغزو الصليبي للمدينة المقدسة.
ويبدأ الكتاب بالتأكيد على أن ذكر القدس كان دائمًا يرتبط بأحداث مهمة في تاريخ الدعوة الإسلامية، ومن أهمها معجزة الإسراء والمعراج التي أسري فيها برسول الله (صلى الله عليه وسلم) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حيث عُرج به إلى السماوات السبع، وكذلك حادث تحويل القبلة من البيت المقدس إلى الكعبة المشرفة.
خلفيات الفتح
ويتحدث عن الخلفيات والظروف المحيطة بفتح القدس بالقول إنه لما جمع هرقل للمسلمين الجمع، وبلغ المسلمون إقبال الروم إليهم لموقعة اليرموك ردوا على أهل حمص ما كانوا أخذوا منهم من الخراج، وقالوا شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم فأنتم على أمركم فقال أهل حمص: أنتم إلينا أحب مما كنا فيه من الظلم والغشم، ولتدفعن ضد هرقل عن المدينة، ونهض اليهود فقالوا والتوراة لا يدخل عامل هرقل المدينة إلا أن نغلب ونجهد فأغلقوا الأبواب وحرموها، وكذلك فعل أهل المدينة من النصارى
ويشير إلى أن فتح القدس يبدأ من موقعة أجنادين التي هدفت إلى فتح الطريق إلى المدينة المقدسة، وكان يقود المسلمين عمرو بن العاص الذي واجه حشودًا ضخمة من الروم بقيادة الأرطبون الذي وصف بأنه أدهى الروم وأبعدهم غورًا وأنكأهم فعلاً، وقال أمير المؤمنين عمر وقتها "قد رمينا أرطبون الروم بأرطبون العرب فانتظروا عم تنفرج".
وتمكن المسلمون من الاستيلاء على أجنادين رمز الأرطبون وتوجهوا إلى بيت المقدس عام 15هـ/ 336م، ووجه أبو عبيدة بن الجراح قائد جيوش المسلمين في الشام إلى أهل بيت المقدس كتابًا "أنَّا ندعوكم إلى شهادة ألا اله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله فإن شهدتم بذلك حُرمت علينا دماؤكم وأموالكم، وكنتم إخواننا في ديننا، وإن أبيتم فأقروا لنا بإعطاء الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وإن أبيتم سرت إليكم بقوم هم أشد حبًا للموت منكم للحياة".
ودامت المناوشات أربعة أشهر وأدرك المحاصرون أنه لا سبيل سوى التفاوض واشترط أهل بيت المقدس وكان يمثلهم البطريك صفرونيوس لتسليم المدينة أن يكون الخليفة عمر بن الخطاب هو المؤمن لهم، والذي يمنحهم العهد، ويوقع العقد، وجاء الخليفة بنفسه وأعطاهم عهدة الأماني العمرية.
العصرين الإخشيدي والفاطمي
وعقب صدر الإسلام تعاقب العصرين الأموي والعباسي على المدينة حيث حظيت باهتمام خلفاء الدولة الأموية فأنشأ معاوية محرابًا في المسجد الأقصى، وبنى عبد الملك بن مروان مسجدًا ببيت المقدس، وبنى القبة التي على الصخرة، واستمرت المدينة تحظى برعاية واهتمام الخلفاء العباسيين فكان الخلفاء يحرصون على زيارتها حرصهم على زيارة مكة، وأولوا اهتمامًا بالمسجد الأقصى وتجديده
وفي ظل حكم الأسرة الإخشيدية لمصر 254 – 292هـ / 868 – 905م التي تولت بعد الأسرة الطولونية حرص الحكام على أن يدفنوا في المدينة، وحدث عام 966 عندما استقل كافور بحكم مصر والشام أن تعرض المسيحيون لموجة من الاضطهاد نتيجة طمع والى المدينة، ورغبته في الاستيلاء على المال فاشتكاه البطريرك إلى كافور، وبالفعل تم إرسال طائفة من الجند لحماية النصارى فشعر الوالي بالتحدي لسلطته فهاجم النصارى، وشارك اليهود في الاعتداء على المسيحيين وقتل البطريرك.
ومنذ استيلاء الفاطميين على مصر 358هـ / 969م أصبحت القدس تابعة لهم حتى سقوطها في قبضة الصليبيين، وفي هذه الفترة كان أهل الذمة في مصر يخرجون في موكب عظيم كل عام لزيارة بيت المقدس متشبهين بخروج المسلمين في موسم الحج، وذلك في عهد الخليفة الظاهر لإعزاز دين الله 411 -457هـ.
وعادت الأمور لطبيعتها بين الدولة الفاطمية ورعاياها من أهل الذمة وعقدت معاهدة بين الظاهر والإمبراطور البيزنطي قسطنطين الثاني 418 – 1027هـ بموجبها يخطب للخليفة الظاهر بمسجد القسطنطينة في مقابل إعادة تعمير كنيسة القيامة.
واهتم الفاطميون بالمنشآت الدينية والاجتماعية في بيت المقدس فكان بالمدينة في العصر الفاطمي بيمارستان كبير لعلاج المرضى، وكان يصرف لهم حاجاتهم من الدواء والطعام بالمجان.
الاحتلال الصليبى
لكن في عهد الخليفة المستنصر 427 – 487هـ / 1035 – 1094م اختلت الأحوال في الدولة الفاطمية وظهر الأتراك السلاجقة الذين أرسلوا جيشًا بقيادة ملكشاه بن الأمير السلجوقي ألب أرسلان إلى الشام، وتمكن من السيطرة على أجزاء كبيرة منها القدس عام 1070م إلى أن استردها الخليفة الفاطمي المستعلي على يد وزيره الأفضل بن بدر الدين الحجالي 1098م، والعجيب أنه في الوقت الذي كان يهاجم فيه الأفضل بيت المقدس كان الصليبيون شمال الشام يحاصرون أنطاكية.
وعندما أدرك الوزير حقيقة الغزو الصليبي حاول الإسراع لإنقاذ القدس، ولكن الصليبيين كانوا الأسبق إليها، حيث قاموا بالحملة الصليبية الأولى التى تحركت من أوروبا في أغسطس عام 1096 من اللورين وقادها غودفري دي بويون الرابع، وانضم إليها أتباعه (أخوه الأكبر الكونت يفتسافي من بولون، وأخوه الأصغر بودوان من بولون أيضًا، كما انضم بودوان له بورغ ابن عم غودفري، والكونت بودوان من اينو، والكونت رينو من تول) ومشت هذه الفصائل على طريق الراين- الدانوب حتي وصلت القسطنطينية نهاية عام 1096.
وأسفرت الحملة الأولى عن احتلال القدس فى يوليو عام 1099، وقيام مملكة القدس اللاتينية بالاضافة إلى عدّة مناطق حكم صليبية أخرى كالرها(أديسا) وإمارة أنطاكية وطرابلس بالشام.
ولعبت الخلافات بين حكام المسلمين المحليين دورًا كبيرًا في الهزيمة التي تعرضوا لها، كالخلافات بين الفاطميين بالقاهرة والسلاجقة الأتراك بنيقية بالأناضول وقتها، وباءت المحاولات لطرد الصليبيين بالفشل كمحاولة الوزير الأفضل الفاطمي الذي وصل عسقلان، ولكنه فر بعدها أمام الجحافل الصليبية التي استكملت السيطرة على بعض البلاد الشامية والفلسطينية بعدها.
وتروي المصادر ما ارتكبوه من مذابح رهيبة داخل المدينة المقدس، وما قاموا به من سلب وتدمير ونهب، حيث قتل في باحة المسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفًا منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم وعبادهم وزهادهم ممن فارقوا الأوطان.
ولبث الصليبيون في البلدة أسبوعًا، وأخذوا من عند الصخرة نيفًا وأربعين قنديلاً من الفضة، وزن كل قنديل 3600 درهم، وأخذوا تنورًا من فضة وزنه أربعون رطلاً بالشامي، وأخذوا من القناديل الصغار مائة وخمسين .. ومن الذهب نيفًا وعشرين قنديلاً، وعتموا منه ما لا يقع عليه الإحصاء.
وقد غاصت الخيل في دماء المسلمين حتى وصلت إلى الركب، وأمعن الفرنجة بالقتل في كل من وجدوه في بيت المقدس، حتى لطخت الدماء الكواحل.
وهكذا وقعت مدينة القدس في قبضة الصليبيين، وكان لهذا الحدث وقع الكارثة على المسلمين في جميع أنحاء الأمة الإسلامية، وظل المسلمون يتشوقون إلى عودة القدس إلى كنف الإسلام، وتخليصها من محاصريها حتى تم لهم ذلك بعد كفاح شرف على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي 583هـ/ 1187م.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار