السبت، 25 فبراير 2012

توقعات حزب الليكود

بقلم محسن هاشم
شهدت انتخابات المركز في حزب الليكود «الإسرائيلي» مماحكات كبيرة، ومنافسة محتدمة بين مختلف أقطاب هذا الحزب ذي التاريخ الكبير في الحياة السياسية «الإسرائيلية»، وصاحب موقع رئاسة الوزارة الحالية في «إسرائيل».
ما الجديد على هذا الصعيد، فهل أعاد حزب الليكود تقييم سياساته في المرحلة الحالية، خصوصًا مع العزلة الدولية النسبية التي تحيط بنتنياهو، أم أن الحزب قام بتجديد سياساته المعروفة تجاه القضايا المتعلق بالتسوية مع الفلسطينيين والعرب عمومًا عبر إعادة إنتاج حاله، من خلال رموزه الذين قادوا- وما زالوا- سياساته..؟
استقطاب مراكز القوة
في البداية، نشير إلى أن لعبة تقديم انتخابات المركز وانتخاب رئيس الحزب في الليكود تمت من خلال خطوات متتالية، بدأ في تنفيذها بنيامين نتنياهو، في إطار لعبة سياسية حزبية داخلية محسوبة لها علاقة بطريقة عمله وإدارته للسياستين الداخلية والخارجية «الإسرائيلية» خلال السنوات الثلاث التي انقضت من عهده برئاسة الوزارة، كما لها علاقة بحالة الائتلاف الحزبي داخل الحكومة «الإسرائيلية»، وحالة المعارضة التي تشاغب على نتنياهو يوميًا، وعلى سياساته الداخلية والخارجية.
فنتنياهو أراد من لعبة الانتخابات الداخلية في مركز الليكود، تجديد تعزيز وتقوية وجوده على رأس الحكومة، وفي قيادة الائتلاف الحكومي، وفي مواجهة المعارضة التي تتصدرها رئيسة الوزراء السابقة وزعيمة حزب (كاديما)، تسيبي ليفني، التي تعاني بدورها من صداع داخلي في حزبها، مع بروز حالات الاستقطاب الداخلي فيه. فالأمور اقتصرت على تصفية حسابات بين مختلف الكتل التي عبرت عن نفسها عبر صندوق الاقتراع لانتخاب رئيس الحزب وأعضاء المجلس المركزي، وإعادة إحكام قبضة نتنياهو على الحزب ومؤسساته في مواجهة منافسيه، وعلى رأسهم اليميني الصهيوني المتطرف (موشيه فيغلين).
لقد سبق وأن أعلن بنيامين نتانياهو عن تقديم موعد الانتخابات الداخلية لرئاسة حزب الليكود، الذي يقوده منذ عدة سنوات، والذي يحظى بالكتلة الأكبر داخل الكنيست (البرلمان) «الإسرائيلي»، وبالفعل تمت الانتخابات قبل أقل من أسبوعين، بمشاركة جميع أعضاء حزب الليكود المسجلين في صفوفه، والبالغ عددهم قرابة الـ (125) ألف عضو، الذين أعادوا انتخاب بنيامين نتنياهو رئيسًا للحزب، بالإضافة إلى ممثليهم في مختلف الهيئات الحزبية، حيث دلت النتائج على أن نتنياهو سعى لفوز كاسح في وجه منافسه (موشيه فيغلين)، كما سعى عمليًا لإرضاء واستقطاب مراكز القوة داخل الليكود، بل وسعى لإنشاء مراكز قوة موازية ومنافسة لبعض الشخصيات التاريخية ممن يطلق عليهم «أمراء الليكود»، في سعيه للتحرر من نفوذهم وسطوتهم، وهو أمر يساعده أيضًا على تقديم موعد الانتخابات التشريعية المقبلة والمقررة في ربيع العام «2013».
إن الانتخابات لرئاسة الأحزاب «الإسرائيلية» تجري في العادة، وبشكل عام، قبل الانتخابات العامة البرلمانية بوقت قصير، لكن نتنياهو أراد من تقديم موعد انتخابات رئاسة الليكود، والتي جرت بالفعل مؤخرًا، حصد المكاسب التي حققها للجمهور اليهودي على أرض فلسطين المحتلة عام 1984، ولجمهور المستوطنين نتيجة لإتمام صفقة التبادل بجلعاد شاليت.
وعليه، جاء فوز نتنياهو في انتخابات رئاسة حزب الليكود لمرة جديدة، ليعزز من مواقعه ومكانته داخل الحزب، وليمنحه المزيد من القدرة على إحكام قبضته على الحزب وعموم مؤسساته في مواجهة منافسيه والمشاكسين داخل الحزب، وهو ما يمهد الطريق لإجراء انتخابات عامة مبكرة في «إسرائيل»، وهو ما ترجحه أيضًا وسائل الإعلام «الإسرائيلية» التي ترى بأن لنتنياهو شعبيته الكبيرة، التي تتناقض مع عزلته على الساحة الدولية.
لقد حصد رئيس الوزراء «الإسرائيلي»، بنيامين نتنياهو، أغلب أصوات الناخبين في الانتخابات الداخلية لحزب الليكود، التي وقعت قبل أقل من أسبوعين، في انتصار لم يكن كاسحًا كما أراد على منافسه اللدود (موشيه فيغلين)، على الرغم من أن نسبة التصويت كانت متدنية ولم تتجاوز الـ (48%) من مشاركة القواعد التنظيمية لمنتسبي حزب الليكود.
فقد فاز نتنياهو رغم ذلك بفارق كبير على منافسه موشيه فيغلين، ففي حين حصد نتنياهو نسبة (74%) من أصوات الناخبين، حصل فيغلين على (24%), وباقي الأصوات كانت غير مؤهلة خلال عمليات الفرز، فكانت أوراقها ملغاة. مع الإشارة أن نسبة مشاركة أعضاء قواعد حزب الليكود في انتخابات المركز لم تزد عن (48%) من عضويته البالغة نحو (125) ألف عضو، وهو ما يضعف قوة الفوز الذي أراده نتنياهو أن يكون كاسحًا.
تيارات اليمين العقائدي والتوراتي
لقد فاز نتنياهو على ممثل اليمين الاستيطاني التوراتي داخل الليكود (موشيه فيغلين) الذي تلتف حوله مجموعات الغوغائيين من قواعد حزب الليكود، خصوصًا في المستعمرات، الذين يعتبرون بأن الليكود بقيادة نتنياهو لا ينتمي إلى تاريخ الليكود وبرنامجه الحزبي وجوهره، فقد أصبح الليكود من وجهة نظرهم مجمّع آراء. بينما التفت حول نتنياهو المجموعات اليمينية من الكادرات المؤدلجة داخل حزب الليكود، وهي تمثل في الحقيقة زبدة اليمين العقائدي المتطرف داخل حزب الليكود، أو ما يطلق عليه البعض (اليمين المحافظ)، الذي استوعب الدروس، ونضج في ميدان السياسة البراغماتية التي يقوم جوهرها على التمسك بالثوابت الصهيونية مع المرونة في تقديمها للعرب وللعالم بأسره بما في ذلك الولايات المتحدة والغرب الأوروبي.
إن فوز نتنياهو، وفرض سطوته على حزب الليكود لا يخفي البتة تجاهل صعود أعداد جديدة من رموز اليمين العقائدي الصهيوني المتطرف واليمين التوراتي لمواقع المجلس المركزي للحزب، وهو أمر سيعطي انعكاساته على سياسات الليكود القادمة عبر انتهاج مواقف شديدة التشنج بالنسبة للمفاوضات مع الطرف الفلسطيني.
إن صعود تيارات اليمين المتطرف بشقيه العقائدي الصهيوني والتوراتي، واحتلالها أعدادًا لا بأس بها من مقاعد المجلس المركزي لحزب الليكود يشي بما هو قادم على صعيد المواقف «الإسرائيلية» عمومًا، فقد فازت تلك التيارات بربع أصوات أعضاء الليكود، فيما أعلن الفائزون منها، ومنهم (آيتي هارئيل)، أنهم بصدد السعي لإعادة حزب الليكود إلى طريقه الأصلي الذي يرى فيه أن «إسرائيل تمتد على ضفتي نهر الأردن»، مضيفًا بأن حزب الليكود «يحتاج إلى هزة أيديولوجية جديدة تعيده إلى طريق المؤسس زئيف جابوتنسكي، الذي قال ذات مرة: للأردن ضفتان، هذه لنا، وتلك أيضًا». وبذا فإن تيارات اليمين الصهيوني بشقيه العقائدي الأيديولوجي والتوراتي تحتفظ بحضور قوي داخل مجمّع الليكود، وقادرة على توجيه دفة الحزب في نهاية المطاف نحو العودة لسياسات الحزب الأم (حزب حيروت)، الذي تربى في أحضانه غلاة الصهاينة منذ أكثر من ثمانين عامًا، وقد أنجب فلاديمير ترمبلدور (أوزئيف جابتونسكي)، ومناحيم بيغن، وإسحاق شامير.
لقد فاز من هؤلاء المتطرفين نحو (240 من سكان المستعمرات في الضفة الغربية و240 من اليهود المقيمين داخل فلسطين المحتلة عام 1948) لعضوية المجلس المركزي في حزب الليكود، الذي يتألف من (3000) عضو، وهو الجهة المعنية برسم سياسات الحزب، وصاحب القرار الحاسم فيه. وبذا، فإن تلك الكتلة باتت تضم بحدود (480) عضو في المجلس المركزي للحزب، وتضاف إليهم أيضًا أعداد موازية تقريبًا من الأعضاء المقربين من منافس نتنياهو داخل الحزب المتطرف (موشيه فيغلين)، الذي كان قد نافس بنيامين نتنياهو على رئاسة الحزب، وفاز بنسبة (23%) من أصوات قواعد حزب الليكود.
استخلاصات وتوقعات
وبالتالي، فنحن الآن أمام كتلة كبيرة داخل المجلس المركزي لحزب الليكود تقارب ثلث عضويته، وهي قادرة على التأثير في مجرى صناعة القرار داخل الليكود، وبالتالي في مسار السياسات «الإسرائيلية» القادمة، وهو ما أوضحه (موشيه فيغلين) للصحافة «الإسرائيلية» قبل أيام بقوله: إنهم «سيتحكمون في سياسة الحزب، وسيمنعون رئيسه، بنيامين نتنياهو، من الانحراف عن هذا الخط أكثر». وأشار المحللون إلى أن النتيجة الجيدة التي حققها فيغلين ستجيز له التأثير على تركيبة لائحة نواب الليكود المقبلة التي ستشكل في استحقاق آخر قبل الانتخابات.
في هذا السياق، المعطيات الواردة من «إسرائيل» والمنشورة على صفحات الصحف العبرية تشي بأن الأكثرية في الشارع «الإسرائيلي» تميل إلى ضرورة إجراء انتخابات تشريعية (انتخابات كنيست) مبكرة؛ نظرًا للاستحقاقات الكبرى التي تنتظر «إسرائيل» في ظل التحولات الجارية في المنطقة، وفي الإطار المحيط بالدولة العبرية.
كما تشير تلك المعطيات إلى أن نتنياهو قد يفضل، أيضًا، تقديم موعد الانتخابات العامة الإسرائيلية القادمة المقرر إجراؤها في نوفمبر 2013، إذا بدا فوز أوباما على منافسيه الجمهوريين في انتخابات الرئاسة الأميركية مرجحًا. فنتنياهو يملك بعد انتخابات مركز حزب الليكود (رئاسة الحزب والمجلس المركزي) خيار السير باتجاه إقرار الانتخابات التشريعية المبكرة للكنيست، وما يشجعه على ذلك أن جميع استطلاعات الرأي التي جرت مؤخرًا في «إسرائيل» ونتائجها المنشورة على صفحات الصحف العبرية، تشير إلى تفوقه بأشواط على سائر المرشحين لمنصب رئاسة الوزراء، وتفوق الليكود على باقي الأحزاب سواء في الأكثرية أو المعارضة.
أخيرًا، من المهم أن يتوقف الفلسطينيون والعرب عن المراهنة على هذا الحزب أو ذاك داخل الدولة العبرية الصهيونية، فكل حزب من تلك الأحزاب، خصوصًا الكبرى منها، تحمل على أكتافها تاريخًا عسكريًا وأمنيًا مشبعًا بالكراهية والدماء والتطرف، وتخفي في مواقفها المزيد من التطرف السياسي تحت لحاف ناعم من البراغماتية السياسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار