الخميس، 8 مارس 2012

الحرب الإسرائيلية الخفية على الجبهة المصرية

بقلم /محسن هاشم
تنشغل مصر هذه الأيام بمجموعة قضايا داخلية هي غاية في الأهمية، وهو انشغال ربما أدى لحالة من الانطواء على الداخل أكثر من صوب الخارج، رغم أن هناك حالات ومحاولات لوصل الداخل بالخارج، ولكنها الثورة
ومصر لا زالت في المخاض ولم يتبلور الميلاد بعد، وانتخابات البرلمان بشقيه مجلس الشعب والشورى خطوة على الطريق، يتوقع أن تستكمل خلال الفترة المقبلة، وللحديث من مصر مداخل خاصة وعامة، وهي بالقطع هامة لا في التعرض للشأن المصري ومدلولاته الخارجية، ولكن في انعكاسات ذلك على الحالة الإقليمية والدولية، ومؤخرًا بات الفعل المصري حاضرًا ومؤثرًا في حيثيات وإحداثيات ذلك كله الإقليمي والدولي، ولكن ينبغي التوقف عند سلوك بعينه، وقراءة بعينها، ولا نبالغ إن قلنا: استهداف بعينه، وهو استنباط وجس نبض بات الكيان الصهيوني يستحضره على الجبهة المصرية، وهو سلوك تحول من الرصد والاستنباط والقراءة إلى التدخل، وهذا أمر له مدلولات هامة، نرصدها في عدة مؤشرات هي
كتب الأسبوع الماضي الصحفي الصهيوني "يورام ميتال" مقالاً في دورية "نظرة عليا" بعنوان: "برلمان الثورة وتثبيت النظام السلطوي في مصر"، وكان ذلك عشية الذكرى السنوية الأولى لثورة يناير، ويرصد المقال ويترصد حيثيات وتفصيلات المشهد في البرلمان المصري، ويحاول استنباط ما هو ممكن، وما هو متوقع، ويؤشر المقال وما جاء فيه على حرص صهيوني دقيق لكل إحداثيات المشهد، فهو يرصد انتخابات رئيس البرلمان وتأدية الأعضاء للقسم والخارطة الحزبية للبرلمان، والعلاقات الداخلية، والتحالفات الممكنة وحدودها بين الإخوان والسلفيين، ويقول "ميتال" بأن البرلمان لا يضم تمثيلاً هامًا لمجموعات الشباب الذي أشعلوا الثورة، وهو في ذلك يبني تحليلاً مسكوتًا عنه في المقال، بأن هناك شيئًا ناقصًا قد يترتب عليه كثير من الاستنتاجات والتوقعات، مستحضرًا برقية حركة 6 إبريل التي وجهت لبرلمان الثورة.
ما توقفت عنده هو ما اختتم به المقال السالف الذكر، فهو يقول برلمان الثورة يشكل حلقة حرجة في المساعي لتأطير نظام سلطوي جديد في مصر ما بعد مبارك. في الأشهر القادمة ستنضم إليها حلقات حرجة أخرى، وعلى رأسها إقامة دستور جديد، انتخاب رئيس الجمهورية، نقل عموم صلاحيات السلطة إلى قيادة مدنية منتخبة، حل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وعودة الجيش إلى ثكناته. وسيؤدي استكمال هذه الخطوة إلى نشوء نظام سلطوي وسياسي جديد تتقرر خصائصه في ظل صراع الجبابرة بين القوى المشار إليها أعلاه، وبالتالي فمن السابق لأوانه تقدير صورته. ومثل الأوضاع الثورية التي نشأت في الماضي يمكن التقدير بأن النظام "الجديد" سيتميز بصراعات قوة تتواصل على مدى الزمن. مصر توجد في ذروة تجربة ثورية، وتاريخها الطويل يدل على أن التغييرات الدراماتيكية المتبلورة فيها ستؤثر على سياقات الشرق الأوسط بأسره". لا يرى كتاب الكيان الصهيوني إلا ما يتمنوه، وبالتالي القراءة الصهيونية السالفة للبرلمان المصري لا تعكس الحقائق، ولكنها لا تعني حربًا، أو استهدافًا للجبهة المصرية.
وبالتالي كان على الكيان الصهيوني أن يتحرك أكثر عمقًا وأكثر استثارة، فكانت الحلقة الأخرى، ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" بعد أسبوع على المقال السالف، وقد نشرت تفاصيل المذبحة الصهيونية التي ارتكبها سلاح المظليين الصهاينة بحق الجيش المصري عام 1955، داخل أحد مخيماتهم بغزة، على يد السفاح "أهارون ديفيد"، الذي توفي الأسبوع الماضي، نشرت الصحيفة خرائط تنفيذ المهمة التي سميت "بعملية السهم الأسود"، وأوضحت بأن الجريمة تمت بمعرفة وواسطة قائد كتيبة الانتقام "آرئيل شارون"، وأن الجميع قتل فيها بمن فيهم الجرحى.
حتمًا وقطعًا لا تحتاج مصر للتذكير بجرائم الكيان الصهيوني الممتدة والمتواصلة، ولكن ما الهدف من إثارة هذه القضية الآن، ولماذا استهدف البرلمان المصري في مقال "ميتال"، ويليه في الأسبوع التالي استهداف للجيش المصري؟ لماذا يرصد الكيان الصهيوني تلك المؤسستين؟ وهل يحاول الوقيعة والعبث بالمشهد المصري؟ لماذا يروج الكيان عبر إعلامه بأن صراعًا يدور في البرلمان، وأنه يؤسس لحكم سلطوي آخر جديد؟ ولماذا التعرض لشهداء الجيش المصري الآن وقد مضى على العملية ما يزيد عن نصف قرن وأكثر؟ إنها حرب صهيونية على الجبهة المصرية، وهي حرب ناعمة تستهدف أحد أهم محددات العبور المصري نحو الحرية والديمقراطية، واستكمال الثورة الشعبية البرلمان والجيش المصري .
كثيرة مؤشرات الاستنزاف الصهيوني لمصر ما بعد الثورة، وأحد دلالات إثارة المذبحة في هذا التوقيت الآن ليست لأن منفذها والقائم عليها قد توفي، ولكن المقصد والهدف قراءة موقف ورد البرلمان المصري، وتعاطي الجيش مع إثارة هذه الرواية، ودلالات استحضارها صهيونيًا الوقيعة وزعزعة المكانة، والنيل من الجيش المصري وصورته أمام الرأي العام، بتوظيف بعض الأحداث هنا وهناك، مصر مستهدفة صهيونيًا، والحرب تجاوزت الأبواب، وتتم الآن في الباحة الخلفية، بالحديث عن المعونة الأمريكية تارة، وعن بدائل صهيونية لقناة السويس تارة أخرى، والكيان يوظف كل الإمكانيات من أجل ذلك، ليست بالضرورة أن تكون حربًا مباشرة، لكنها حرب إشعال وإشغال واستنزاف وقطيعة ووقيعة.
اختتم بوقائع بالغة الأهمية والخطورة تناولتها وتعرضت لها الصحافة المصرية، وهي حالة انتقال من الرصد والاستنزاف للاستهداف المباشر والعلني، قبل شهر سربت الصحافة الصهيونية بأن الكيان يصرف ما يزيد عن 77 مليون دولار كأبحاث على المجتمع المصري، ومر الخبر مرور الكرام، ولم يتوقف عنده أحد، حتى فجر الدكتور أسامة سليم مفاجأة من العيار الثقيل عندما كشف أمام لجنة الصحة بمجلس الشعب، بأن حربًا بيولوجية صهيونية تتم ضد مصر، ومؤشراتها اكتشاف لقاحات وتطعيمات صهيونية مهربة لمصر تعمل على إصابة الدواجن المصرية بفيروسات خطيرة، وأنه تبين وجود 75% من المزارع التي تم فحصها بإصابتها بفيروسات ونفوق جماعي، أدى لانخفاض معدل البيض 40%. ولا تعقيب إلا القول بأن العالمين بالمشهد المصري يعلمون دلالات ذلك وتأثيراته لا في الاقتصاد، ولا في الثروة الحيوانية، ولكن في حياة البشر، وما قد تسببه هذه الفيروسات، وبالتالي نحن أمام استهداف صهيوني حقيقي واقع بالفعل، ولم يعد مجرد استنزاف فقط، وهو أمر يعني أن الكيان الصهيوني قد شرع في قتل المصريين، واستهداف مقدراتهم، بعدما فشل في الوقيعة بينهم، والنيل من البرلمان والجيش والثورة. وهو يعني أيضًا بأن قلقًا وخوفًا بات يتغلغل في الكيان الصهيوني من مصر وثورتها وجيشها وبرلمانها، ولن تمر هذه الحالات وتلك المؤشرات مرور الكرام، ولا يمكن لمصر الثورة أن تقبل بتمرير هذه المخططات، وأحد قراءات هذا السلوك الصهيوني يشبه من شارف على الغرق فيبدأ بتلويح والتغبيط شرقًا وغربًا دون اهتداء، والكيان بات محاصرًا، واستهداف مصر لن يؤدي لفك الحصار بقدر ما سيسفر عن إحكام الحصار، والحرب الحاصلة في الباحة الخلفية لن تستمر طويلاً؛ لأنها لم تعد خفية، وقد بدأت ملامح الرد المصري تتبلور بوضوح وقوة، ومن البرلمان انطلقت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار