الأحد، 7 أغسطس 2011

مناورة "إسرائيلية" جديدة

بقلم محسن هاشم
حدث أن تجاهل إسحاق شامير طلبات متكرّرة من واشنطن لتجميد الاستيطان، وكان أن هددت واشنطن بتجميد منح “إسرائيل” عشرة مليارات دولار أسميت ضمانات قروض، وهي في الحقيقة هبات ومكافآت لكل ما تفعله “إسرائيل”
لمصلحتها ولخدمة الأهداف الأمريكية ضمنًا، وعلى حسابنا فلسطينيين وعربًا، أرضًا ومقدّسات. يومها صرخ شامير غاضبًا في وجه الأمريكيين: إذا كنتم تحمون “إسرائيل” بأموالكم، فنحن نحمي مصالح أمريكا بدماء أبنائنا، أي بالعربي الشعبي “لا تربحونا جميلة”، وهكذا استمر الاستيطان، واستمر تدفق المليارات “قروضًا” وهبات وأسلحة ذكية وغبية. ومع ذلك تمسّك فريق التسوية بالرهان على المفاوضات طريقًا وحيدًا إلى أي شيء .
وحدث أن أدار بنيامين نتنياهو ظهره لباراك أوباما رغم مبالغات الأخير في إظهار الولاء لـ“إسرائيل” حد الانحناء على عتبة رئيس وزرائها الذي قال: “لا” كبيرة في وجه أوباما داخل بيته الأبيض، وفعل ذلك دونما أي مستوى من الخجل، وهذا ما يحتاج إليه بعضنا عندما يتعلّق الأمر بقضايا شعوبنا.
نتنياهو نفسه هدّد ذات يوم أواسط التسعينات بإشعال النار في البيت الأبيض إذا لجأت إدارة بيل كلينتون، في حينه، لممارسة الضغوط السياسية على “إسرائيل”. ومن يعرف بعض فنون اللغة يدرك أن لـ “إشعال النار” هنا معنى مجازيًا، وكانت الترجمة الواقعية للنص المجازي أن أشعل البيت الأبيض وبيت كلينتون الخاص بعود ثقاب اسمه مونيكا لوينسكي. بعدها سارت الأمور، أمريكياً تجاه “إسرائيل”، على خير ما يرام، وها هي هيلاري التي أجبرت بيل على المبيت على الأريكة، عقابًا له، باتت اليوم وزيرة خارجية في إدارة أوباما التي سخرت ذات يوم منه، وطعنت في أهليته لقيادة أمريكا، وكل ذلك إبان الحملة الاستهلاكية الانتخابية.
“إسرائيل” هذه الأيام تخرج علينا، أو على المصدّقين بشراكتها على مائدة “السلام” بالإعراب عن استعدادها للتفاوض مع القيادة الفلسطينية على أساس خطوط 1967 كما اقترح باراك أوباما في مايو/ أيار الماضي، ذلك إذا غيّروا رأيهم، ولحسوا خطة التوجه إلى الأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول المقبل لطلب انضمام فلسطين إلى المنظمة الدولية.
واضح أن هذا الكلام التضليلي يأتي في وقت تحاول القيادة الفلسطينية، ومعها أطراف لجنة المتابعة العربية، وضع اللمسات الأخيرة على صيغة طلب الانضمام إلى الأمم المتحدة.
نعرف أن “إسرائيل” لم تهدأ طيلة الشهور الماضية، ولم تترك باب حارة سياسية إلا وطرقته بحثًا عن موقف داعم لها في إحباط التحرّك الفلسطيني، وإبقاء القيادة الفلسطينية في “زنقة” سياسية لا تخرج منها إلا من البوابة التي تفتحها لها “إسرائيل” .
الغريب أن الفلسطينيين يتوجّهون إلى الأمم المتحدة مستندين لكلام أوباما، و”إسرائيل” تعلن “مبادرتها” المضادة باستعدادها للتفاوض على أساس كلام أوباما، علمًا بأن الرجل قال كلامين مختلفين خلال يومين. في الكلام الأول دعا للتفاوض على أساس حدود الـ67، وعندما صدرت ضده انتقادات لاذعة من “إسرائيل” وأعضاء في الكونغرس، أعلن أنه يعني أن التفاوض سيدور حول حدود مختلفة عن تلك التي كانت قائمة في 4 يونيو/ حزيران 1967، وعلى أساس الأخذ بالاعتبار “الحقائق الديموغرافية الجديدة على الأرض”، وهذا يعني بقاء المستوطنات.
إذا أصر الطرفان على اعتبار أوباما مرجعية تفاوضية، سيكونان أمام أوبامين، وسيبقى التفاوض يدور في حلقة مفرغة، كما كان على الدوام، ولن تكون محطّة سبتمبر/ أيلول استثناء، هذا إذا لم تحدث ضغوط قاسية معتادة تثني القيادة الفلسطينية عن تحرّكها، وهذا ليس مستبعدًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار