الثلاثاء، 13 سبتمبر 2011

الدعم المالي للقدس في مواجهة مخططات التهويد.. بين الواقع والمأمول

بقلم محسن هاشم
يشكل ضعف الدعم العربي والإسلامي المادي لمدينة القدس خطرًا يضاعف من معاناة المدينة التي يحشد لها الكيان الصهيوني شتى إمكاناته في سبيل تحقيق مخطط تهويدي يشمل معالم وجغرافية، وتاريخ الأرض المقدسية.
فبينما تعلن وسائل الإعلام العربية في أعقاب القمم الاقتصادية عن رصد أموال كبيرة لدعم القضية الفلسطينية ومدينة القدس، يأتي الواقع على الأرض يؤكد أن المعلن لا يتعدى أرقامًا على الورق، ضاربةً عرض الحائط بأهمية الدعم في منع ممارسات الاحتلال القمعية ضد آلاف المقدسيين اللذين يتعرضون للغرامات الباهظة، والضرائب المتراكمة بهدف ترحيلهم عن مدينة القدس.
نموذج المواطن طريف الأشهب يشكل حالة من آلاف المقدسيين الذين يتعرضون لأبشع ممارسات الاحتلال بحرمانه من لم شمل عائلته، حيث يملك هوية الضفة، بينما زوجة مقدسية، يؤكد الرجل، بنبرة غضب، أن أحد أهم أهداف الدعم العربي لمدينة القدس إسناد المواطنين في مواجهة المخططات الصهيونية، سواء التي تستهدف مساكنهم بحجة البناء غير المرخص أو ملاحقة التجار، وفرض الغرامات المالية عليهم بهدف تهجيرهم من المدينة، وأضاف قائلاً: "إن ذلك يبقى كلامًا لا يساوي ثمن الحبر الذي خط به في ظل عدم وصول الدعم الذي يتمخض عن القمم والمؤتمرات الاقتصادية العربية"، ودلل الرجل على أنه لم يتلق في معركته القانونية مع الاحتلال؛ للحصول على لم الشمل، أي مساعدة مادية، سواء من مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية، ولا من المؤسسات الرسمية المخولة بتقديم الدعم لأهالي القدس، مؤكدًا أنه في ظل ظروفه المادية القاسية تكبد مبالغ طائلة تجاوزت 50 ألف شيكل، ما بين أتعاب المحامي ورسوم وتكاليف أخرى.
ويجزم الأشهب أن أحدًا من المؤسسات الرسمية التي تتغنى بأهمية دعم صمود أهالي القدس قد قدمت له أي مساعدة مادية، ما جعله رغم انتصاره في معركته مع الاحتلال، وحصوله على لم شمل عائلته المشتتة بين القدس والضفة الغربية، حزينًا بسبب الضغوطات المادية التي تكبدها.
"القدس أون لاين" تسلط الضوء على ملف الدعم العربي والإسلامي لمدينة القدس وأهلها، بهدف دعم صمودهم ومساعدتهم في مواجهة مخططات الاحتلال بتهويد المدينة وإفراغها من أهلها، والتعرض لأسباب عدم وصول الدعم، تابعونا.
تشكو رئيسة جمعية دار الرعاية الصحية والاجتماعية لرعاية الأيتام بالقدس، عفاف الدجاني، من استثناء جمعيات القدس من الدعم المادي الذي تقدمه السلطة الفلسطينية، مؤكدة أن كثيرًا من الجمعيات تقدم طلبًا للسلطة، بضرورة تقديم الدعم المادي لإنجاز مشاريع تنموية في القدس، من شأنها أن تحافظ على صمود أهالي القدس، إلا أنها لا تستجيب سريعًا، لافتة إلى أن بعض الجمعيات تبدأ المشاريع وتنهيها دون أن يصل الدعم المادي من السلطة، وأشارت الدجاني إلى أن أسباب ذلك تعود في جزء منه إلى تقصير السلطة، وعدم الاهتمام بتنشيط المؤسسات المقدسية في مواجهة مخططات الاحتلال، وجزء آخر فساد مالي وإداري، إضافةً إلى ممارسات الاحتلال التي تمنع المؤسسات من التوسع الأفقي في البناء، بحجة عدم الحصول على تراخيص، وشددت الدجاني على أن كافة أشكال الدعم المادي لمؤسسات القدس من قبل السلطة الفلسطينية متوقفة تمامًا، باستثناء توزيع كابونات خبز من مؤسسة وكالة بيت مال القدس، مشيرة إلى أن التمويل يكاد يكون لمرة واحدة في المناسبات الدينية، وخاصة في شهر رمضان، وبيَّنت الدجاني أن ذلك يؤدي إلى تعطيل برامج وأنشطة الجمعيات في القدس، في إشارة منها إلى عدم قدرة جمعيتها على إتمام تفاصيل العرس الجماعي، وأشارت إلى أن محاولاتها على مدار عام ونصف من التقدم لمحافظة القدس؛ للحصول على مساعدة مادية لم تجد نفعًا، موضحة أن ما حصلت عليه مبلغ زهيد لا يتجاوز الـ5000 دولار، وللأسف لم تحصل عليهم أبدًا، مؤكدة أن العرس الجماعي سينعقد في الحادي عشر من يوليو الحالي، ودعت الدجاني إلى ضرورة العمل على دعم مؤسسات القدس بشكل جدي، خاصة في ظل انهيار الوضع الاقتصادي في المدينة المقدسة.
ممارسات الاحتلال
وعلى الرغم من الشكاوى التي يصرح بها المقدسيين على الملأ بعدم وصول الدعم المادي إليهم، ليدعم صمودهم في مدينة القدس، إلا أن البعض، وخاصة من المؤسسات الرسمية المخولة باستقبال الدعم، والعمل على إقامة مشاريع تنموية في القدس، تؤكد أن الدعم المادي العربي والإسلامي يصل، ولكن يعيق الاحتلال الصهيونية بممارساته التعسفية استغلاله فيما ينفع المقدسيين، ويدعم صمودهم، يقول عبد الرحيم بربر، مدير وكالة بيت مال القدس، في حديث خاص للقدس أون لاين: "إن ما يتردد من معلومات حول عدم وصول الدعم المادي للقدس، أو عدم وصوله لمكانه الصحيح يأتي في سياق العام، وليس الخاص"، مؤكدًا أن الدعم المادي المقدم لوكالة بيت المال القدس يصل إليها، وتدلل عليه المشاريع التي أنجزتها الوكالة، ولم ينف بربر أنه غير كافٍ لإنعاش المدينة المقدسة في ظل ممارسات الاحتلال التي تدعم مخططات التهويد في المدينة بشكل هائل، وتجند ميزانيات بمئات الملايين من الدولارات، وبيَّن بربر أن المقدسيين بحاجة إلى المزيد من الملايين من الدولارات؛ لإنجاز مشاريع ثقافية واجتماعية واقتصادية تدعم صمودها، مؤكدًا أن الوكالة تبذل كافة الجهود الممكنة لدعم صمود أهالي القدس.
انعدام التنسيق
من جهته، أكد الأمين العام للجبهة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس، د. حسن خاطر، في حديث خاص مع "القدس أون لاين"، عدم التنسيق بين الجهات الرسمية التي أُسست لدعم أهالي القدس، وعلى رأسها وكالة بيت مال القدس، وبنك التنمية الإسلامي بفروعه وتخصصاته، كصندوق الأقصى، وصندوق القدس، وغيرها من المؤسسات، إضافة إلى جامعة الدول العربية، والمكلفة بتأمين الدعم اللازم للمدينة المقدسة، كان عقبة أمام إنجاز مشاريع في القدس، من شأنها أن تدعم صمود المقدسيين على أرضهم، وأشار د. خاطر بشيء من التفصيل، أن الشروط التي تضعها كل جهة من الجهات الرسمية الداعمة للقدس عطلت العديد من المشاريع، وأضاف قائلاً: "تلك المؤسسات بشروط الدعم التي تصر عليها، بدلاً من أن تؤدي إلى إنجاح المشاريع القائمة، قامت بنفسها بالروتين والتعقيدات"، مؤكدًا أن ذلك يعكس عدم فهم المؤسسات الداعمة لواقع المدينة المقدسة، لافتًا إلى أنها بذلك تدور في حلقة مفرغة معها لا يمكن للمواطن المقدسي أن يلمس دورها في دعم صموده، وشدد على أن ما يحدث من حديث لدى وسائل الإعلام المختلفة عن المشاريع التي تدعمها المؤسسات الرسمية التي تقدم الدعم المادي لأهالي مدينة القدس مجرد تسجيل لمواقف إعلامية فقط، مؤكدًا أن كثيرًا من المشاريع التي تبدأها تلك المؤسسات لا تصل إلى مستوى الدعم الحقيقي في المدينة المقدسة، سواء على صعيد البني التحتية، أو حماية الهوية والثقافة والتاريخ وحماية المقدسات، أو تعزيز صمود المقدسيين، وحماية وجودهم، واستكمل قائلاً: "لا يوجد أي مؤسسة إلى الآن عربية أو إسلامية استطاعت أن تصل إلى صميم دعم صمود أهالي القدس"، وبيَّن أن كل المؤسسات الموكل إليها عملية دعم مدينة القدس، وصمود أهلها لم تصل أي منها إلى عمق احتياجات المدينة المقدسة، وأوضح د. خاطر أن كل ما يجري دوران حول عموميات وهوامش وقضايا ثانوية لم تستطع الوصول إلى جوهر الاحتياجات لما تعاني منه المدينة المقدسة.
فوارق فلكية
ويبقى الدعم العربي والإسلامي المقدم للمدينة المقدسة نقطة في بحر الدعم المفتوح واللامحدود الذي تخصصه دولة الاحتلال لدعم تهويد المدينة المقدسة، وإفراغها من سكانها الأصليين، وفي هذا السياق يؤكد د. خاطر، أن الدعم العربي والإسلامي للمدينة المقدسة محدود وغير منظم، لافتًا إلى وجود فرق هائل بينه وبين الدعم الذي تقدمة دولة الاحتلال، سواء الحكومة الرسمية التي تعد معول بناء التهويد في المدينة، أو من خلال رجال الأعمال الصهاينة، الذين يسعون لتنفيذ مخططات دولة الاحتلال في تغيير الواقع الديمغرافي للمدينة، وطمس معالمها التاريخية والإسلامية، وبيَّن د. خاطر أن الواقع المرير الذي وصلت إليه المدينة المقدسة في الآونة الأخيرة هو بمثابة نتاج لحجم الفارق في الدعم الصهيوني للتهويد، وحجم الدعم العربي والإسلامي لمقاومة التهويد، قائلاً: "إن الأموال المقدمة على المستوى العربي والإسلامي لا تساوي ما يخصصه الاحتلال لتهويد القدس في يوم أو يومين"، مؤكدًا أنها فوارق فلكية، وباقي ما تبقى الفارق لصالح الاحتلال فوارق فلكية، وشدد على أن تلك الفوارق سبب تراجع واقع القدس بشكل كبير، واختلال المعادلة بصورة كبيرة جدًا لصالح الاحتلال، خاصة في ظل تمويل رجال الأعمال الصهاينة لمشاريع استيطانية في المدينة المقدسة، من شأنها أن تغير واقعها الحضاري والتاريخي والإسلامي لصالح الخرافات الصهيونية والزائفات التلمودية، داعيًا العالم العربي والإسلامي إلى ضرورة الالتفات سريعًا، وامتشاق حسام التغيير لتوفير الدعم بمئات الملايين لإقامة مشاريع تنموية اقتصادية تسهم في تعزيز صمود الفلسطينيين على أرض القدس، وتطرق د. خاطر إلى أسباب الفجوة العظيمة بين التمويل العربي والإسلامي لمشاريع صمود المقدسيين، والمحافظة على تاريخها وتراثها الإسلامي، وبين ما تقدمه السلطات الصهيونية لتهويد المدينة، مؤكدًا أنه يكمن في عدم وجود إرادة قوية، أو قرار سياسي، وتخطيط ممنهج لتغيير المنهج الموجود في القدس المتسم باللامبالاة، موضحًا أن القدس تحتاج إلى مئات الملايين من الدولارات، وليس العشرات من الملايين التي تتمخض عن منظمة العمل الإسلامي، وأضاف قائلاً: "الدول العربية حقيقةً قادرة بما تملك من ثروات وإمكانات مادية على أن تدفع مئات الملايين من الدولارات، لكن للأسف لا يوجد نية لديها لتغيير مواقفها تجاه المدينة المقدسة؛ لتنسجم مع ما يفعله الاحتلال"، وأضاف: "إن المسلمين ومؤسساتهم جامدة تمامًا؛ فهي لا تُستفز لما يقوم به الاحتلال من ممارسات بحق المقدسيين، خاصة ممارسات التهويد والتهجير القسري، الأمر الذي قضى بخلل كبير لصالح الاحتلال، وشدد على أن سر الصمود في القدس اليوم ليس للمال العربي به علاقة، مؤكدًا أن المقدسيين وحدهم أصحاب الأرض هم الذين يتحملون أكثر مما تتحمله الجبال، ويستمرون في مواجهة مخططات الاحتلال على حساب إنسانيتهم ورفاهيتهم، وكل إيجابيات الحياة لديهم، واستكمل قائلاً: "الحقيقة التي يجب أن تقال: إن استمرار المدينة في المقاومة لا علاقة للدعم العربي فيه"، مؤكدًا في ذات الوقت على ضرورة أن يلتزم العرب أمام مسؤولياتهم تجاه القدس، ودعم صمود أهلها.
خطة دعم استراتيجية
من ناحيته، تحدث المحامي، أحمد الرويضي، مدير وحدة القدس في الرئاسة الفلسطينية لـ"القدس أون لاين"، عن الخطة الاستراتيجية للتنمية القطاعية في مدينة القدس، والممتدة على مدار ثلاث سنوات منذ بداية العام 2011، وحتى نهاية العام 2013، مؤكدًا أنها ستشمل قطاعات عدة أهمها التعليم والصحة، ودعم بناء المساكن والمؤسسات لمواجهة قوانين الهدم، بحجة عدم الترخيص التي يتذرع بها الاحتلال، وشدد الرويضي أن هذه المرحلة الثالثة من الخطة، والتي تم إنجاز المرحلة الأولى منها في العام 2003، من خلال بيت الشرق، برئاسة فيصل الحسيني، فيما تمثلت المرحلة الثانية بمؤسسات التعاون، موضحًا أن المرحلة الثالثة جاءت من بيت الرئاسة، على أساس تحديد احتياجات القدس، لافتًا إلى أن الخطة في مرحلتها الثالثة وضعت بالتعاون بين السلطة الوطنية الفلسطينية والاتحاد الأوروبي، وبلغت ميزانيتها 428 مليون دولار، والنسبة الأعلى منها لتنفيذ مشاريع تنموية تخدم قطاع السياحة، مؤكدًا أن الخطة واضحة تمامًا، وتشمل توصيفًا للواقع والبرامج والمشاريع التي تحتاجها المدينة وأهلها، بالإضافة إلى أدوات التنفيذ التي تضمن تحقيق أفضل النتائج، وأشار إلى أن ما يتردد على ألسنة المواطنين وأصحاب المؤسسات في القدس بعدم وصول الدعم بشكل كافٍ لمؤسساتهم، لتقوم بتنفيذ مخططاتها وبرامجها التنموية، يعود إلى زيادة حجم الاحتياجات في المدينة المقدسة، لافتًا إلى أن المدينة تحتاج 40 مليون شهريًا، لتستطيع أن تصمد بشكل حقيقي، ولا يتوفر منها من قبل السلطة الفلسطينية إلا بعض الاحتياجات المرتبطة بالدفاع القانوني، ومساعدة المواطنين في القضايا الهندسية والفنية، وبعض المساعدات المقدمة لضحايا هدم المنازل، ومخالفات البناء، مما يؤكد أن الدعم غير كاف بالنظر لحجم الاحتياجات، وأكد أنه حتى المساعدة التي يتلقاها المواطن المقدسي لا تكون مساعدة كاملة، بل نسبة من قيمة الاحتياجات؛ لعدم وجود ميزانيات كافية، خاصة في ظل الأزمة المالية التي تعانيها السلطة، والتي أدت بها مؤخرًا إلى تأخير رواتب الموظفين، وأضاف: إن ديوان الرئاسة ومجلس الوزراء يحاولان تغطية بعض الاحتياجات الأساسية للمقدسيين، وأكد د. الرويضي أن ذلك يعود إلى التقصير العربي والدولي لدعم مشاريع وخطط تنموية في مدينة القدس، داعيًا إلى ضرورة توقيع اتفاقيات دعم مع الصناديق العربية والإسلامية، مشيرًا إلى أن الخطة الاستراتيجية التنموية لقطاعات القدس عرضت على جهات كثيرة، ولكنها لم تسوق حتى اللحظة، ولم تبادر أي من الدول العربية والإسلامية لدعم قطاع واحد من القطاعات المطلوب دعمها، وتنشيط برامجها في القدس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار