الاثنين، 20 يونيو 2011

من سياسيات التهويد : العبرية طوق يخنق العربية في أراضي 48

بقلم محسن هاشم
مازالت دولة الاحتلال الإسرائيلي تعمل على استهداف اللغة العربية بالتهويد والتطبيع، كما كل شيء فلسطيني، للإلغاء والإسقاط من الوجود؛ لإحكام السيطرة اليهودية، وانتزاع الحقوق بالباطل.
آخر القرارات التي صدرت عن البرلمان الإسرائيلي بالقراءة الأولى مشروع يلزم بكتابة لافتات المتاجر والمطاعم والمؤسسات باللغة العبرية، الأمر الذي اعتبره بعض رجال الحقوق والسياسة العرب استهدافًا مباشرًا للغة العربية، خاصة بعد التهديدات، التي أطلقها الكنيست بسحب الرخص ممن يتخلفون عن اتباع الأوامر.
وكانت اللغة العبرية قد طرقت أبواب الوطن الفلسطيني منذ احتلال الأراضي الفلسطينية، وزادت وتيرة تواجدها بين الفلسطينيين أثناء عملهم، وتعاملهم مع الإسرائيليين داخل الخط الأخضر، ناهيك عن الهيمنة الإسرائيلية على مجريات الحياة العربية في الوطن الفلسطيني، بسبب التبعية للإسرائيليين في مختلف مجالات الحياة، بدءً من الاقتصاد والعمل، وليس انتهاءً بعمليات السفر والتنقل التي يمر خلالها الفلسطيني عبر الحواجز، ويضطر عندها لاستخدام ألفاظ عبرية للتفاهم مع الجندي الذي يعيق حركته وتنقله هناك، أملاً في أن يتراجع عن موقفه، ويتفهم معاناته.
"القدس أون لاين" في التقرير التالي يعرض لأساليب استهداف اللغة العربية، واقتلاعها من ألسنة وأفواه متحدثيها، وإحلال اللغة العبرية مكانها، فقط لأجل التهويد والسيطرة، وانتزاع الهوية العربية الفلسطينية:ـ
بين الهيمنة والإجبار والتقصير والتقارب تراوحت أسباب انتشار اللغة العبرية في الوطن الفلسطيني المحتل، فخلال دراسة أعدها د. خليل عودة، بجامعة النجاح الوطنية، حول الآثار السلبية التي أثمرها الاحتلال الصهيوني على مستقبل اللغة العربية في فلسطين، أوضح أن الهيمنة وإجبار العرب على التعامل، وفقًا للارتباط بين الطرفين، وحاجة كل منهما إلى الآخر، جعلت مفردات التعامل أكثر شيوعًا بين العرب واليهود، وذلك بسبب الاحتكاك اليومي بين العرب واليهود في أماكن العمل والمكاتب الحكومية والجامعات والمؤسسات الخاصة والأسواق والفعاليات والعلاقات الاجتماعية، والتي غالبًا ما تكون لغة الحوار والتفاهم بينهما اللغة العبرية دون العربية اللغة الأصلية للعرب هناك، لافتًا أن التقصير من الجانب العربي، خاصة مجمع اللغويين الفلسطينيين، والمؤسسات الرسمية التي لم تحاول أن تجد مفردات عربية تتلاءم للتداول بين العرب، وتكون مقابلة للمفردات العبرية، ساهمت أيضًا في انتشار اللغة العبرية، ناهيك عن المفردات التي العبرية التي كان يختارها الإسرائيليون بدقة في خطابهم السياسي الموجه للعرب، وشيوع تلك المفردات في الإعلام الإسرائيلي، بالإضافة إلى التقارب بين اللغتين العربية والعبرية، ووجود الكثير من الكلمات المشتركة بينهما، الأمر الذي سهل على العرب أخذ مفردات اللغة العبرية وتكلمها بسهولة.
فيما ألمح د. محمد البع- أستاذ مشارك بقسم اللغة العربية بالجامعة الإسلامية، قسم فروع اللغة- إلى أن السنوات العشرة الأخيرة زادت الخطورة، وبدأ الفلسطينيون يتكلمون العبرية بكثرة حتى في تعاملاتهم مع زوجاتهم وداخل أسرهم، مؤكدًا أن تأثر فلسطينيي الداخل المحتل عام 48 باللغة العبرية أكبر، إذ إنها مفروضة عليه فرضًا، ويعزز ذلك الخطر المشروع الذي أقره الإسرائيليون مؤخرًا بضرورة تغيير اللافتات العربية بأخرى عبرية، ومن لا ينصاع للأوامر يسحب الترخيص منه، وتنتهي مؤسسته إلى زوال.
ويؤكد على ذات الخطورة الأكاديمي الفلسطيني د. عبد الرحمن مرعي قائلاً: إن ارتباط حياة الفلسطينيين في الداخل المحتل من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 48 ، جعلهم يختلفون عن باقي العرب في الدول والبلدان العربية الأخرى.
ويؤكد على أن الخطر أقوى وأشد على الفلسطينيين في داخل فلسطين عام 48، فعلى الرغم من المنزلة الرفيعة التي تحظى بها اللغة العربية في نفوس الناس هناك، كونها اللغة الأم، ولغة الدين، ولغة القرآن الكريم والسنة الشريفة، ولغة التراث، ولغة العلم والعلماء في العصور الزاهرة، إلا أن اللغة العبرية أصبحت جزءًا لا يتجزأ من مخزونهم اللغوي والثقافي أيضًا.
العبرية تخترق الألسنة العربية
طبيعة الاحتكاك اليومي لدى الفلسطينيين مع قوات الاحتلال المتمركزين عند الحواجز، جعلتهم يضطرون إلى استخدام بعض الكلمات العبرية؛ ليستطيعوا التفاهم مع الجنود هناك، ففي قطاع غزة والضفة الغربية اخترقت بعض الكلمات العبرية الألسنة العربية التي تعاني إغلاق المعابر والحواجز، فها هم يستخدمون كلمة "محسوم" لينذروا بعضهم بوجود حاجز عسكري، و"مشمار غفول" للدليل على وجود حرس الحدود، و"سيغر" بمعنى أن الحواجز مغلقة، بينما اخترقت كلمات عبرية مثل "بسيدر"، بمعنى ماشي الحال.
ويعاني المواطنون العرب من غزو مفردات اللغة العبرية لألسنة أطفالهم، يقول المواطن نخلة شقر- من مدينة حيفا-: "وصلت ابنتي سن الروضة، أرسلتها للتعلم، لكنها عادت لي بمفردات عبرية، عندما تسلم علىَّ تقول لي: شالوم. وهكذا إن أرادت شيئًا فإنها تطلبه بالعبرية، والسبب لا يوجد روضات ولا مدارس تهتم بتعليم اللغة العربية، اللغة الأصلية الأم، وبالتالي ينساها الجيل الجديد، ويُتم معاملاته وتعليمه بالعبرية"، ويؤكد شقر أنه عمد إلى تأسيس جمعية تهتم بالعرب وتعليم اللغة العربية والمحافظة عليها كلغة أم وأصلية قائلاً: "أسسنا روضات، ومن ثم نعمد إلى تأسيس مدرسة إبتدائية".
ويؤكد محمد نفاع، الرئيس السابق لمجلس بلدة مجد الكروم في الجليل (شمال)، أن "إسرائيل" تعمل على انتزاع الأسماء العربية من المدن والقرى، واستبدالها بأخرى عبرية، لافتًا أن الداخلية الإسرائيلية عندما ضمت بلدات مجد الكروم والبعنة ودير الأسد مع بعضها، أطلقت عليها اسم "مخباداه"، وبعد رفضنا أطلقنا عليها اسم الشاغور، إلا أنهم يكتبونها بالعبرية "شيغور"؛ لتشويه الكلمة العربية.
مخاوف متعددة
وفقًا لصحيفة "معاريف" العبرية، فإن البرلمان الإسرائيلي مرر بالقراءة الأولى مشروعًا يلزم أصحاب المحال والمطاعم والمؤسسات جميعها باللغة العبرية، ومن يخالف القرار تسحب رخص محله، وأشارت الصحيفة إلى معارضة الكنيست ورفضه لكتابة اللافتات باللغة الإنجليزية أيضًا، وذلك للحفاظ على الطابع اليهودي لدولة "إسرائيل"، لافتة إلى تصريحات إيفي إيتام- من حزب الاتحاد الوطني المفدال- والتى أكد فيها على ضرورة تعزيز منزلة اللغة العبرية؛ باعتبارها دليلاً على استمرار سلالة أجيال يهودية برزت منذ آلاف السنين.
وأثار تمرير مشروع قانون بالقراءة الأولى في البرلمان الإسرائيلي يلزم بكتابة اللافتات التجارية باللغة العبرية مخاوف سياسيين وحقوقيين عرب، اعتبروا أنه يندرج في إطار الحملة التي تستهدف اللغة العربية، وكانت "معاريف" العبرية قد نقلت خبرًا مفاده: أن الكنيست الإسرائيلي وافق مبدئيًا على مشروع قانون يطالب بالكتابة على الواجهات، أو لافتات المتاجر باللغة العبرية الواضحة، وإلا فإن الرخص ستسحب من المتاجر والمطاعم.
فيما اعتبر عضو الكنيست العربي محمد بركة، أن تمرير المشروع الصهيوني الجديد يهدف إلى النيل من اللغة العربية، بإعطائه الأولوية المطلقة للغة العبرية، وأضاف أن عملية استهداف والنيل من اللغة العربية متعددة ومتشعبة، إحداها بتغيير اللافتات التجارية إلى لافتات تكتب بالعبرية، وأخرى بتغيير أسماء الشوارع، وثالثة بتغيير أسماء المدن والقرى الفلسطينية التي هجر منها أهلها وسكانها الأصليون إبان الحرب والنكبة، ما جعل الجيل الجديد لا يعرف أسماءها العربية، مؤكدًا أن اللغة العربية في الأراضي المحتلة عام 48 هي اللغة الرسمية للمواطنين هناك على الورق فقط، وإنما في جل تعاملاتهم اليومية يتكلمون العبرية في المدارس، وتفرض اللغة العبرية لتعليم المناهج، وكذلك كافة التعاملات، مشيرًا أن دولة الاحتلال تنفق ما يعادل 195 دولارًا فقط على الطالب العربي، بينما يحظى الطالب اليهودي بحصة إنفاق تعادلها سبع مرات، أي ما قيمته 823 دولارًا، الأمر الذي يشجع الطلاب العرب للالتحاق بالمدارس اليهودية، ناهيك عن تعليم اللغة العربية في الجامعات، والذي ينطوي على تدريس مساقاتها باللغة العبرية، الأمر الذي يعد انتهاكًا واضحًا وإحلالاً صريحًا للغة العبرية محل اللغة العربية.
استهداف مقصود
مركز "عدالة" الناشط في مجال الحقوق للأقليات العربية في دولة الاحتلال الإسرائيلي، على لسان محاميه عادل بدير، أكد أن المشروع الذي مُرر مؤخرًا وافق عليه الكنيست بالقراءة الأولى، إنما يستهدف الأقليات العربية في الأراضي المحتلة، خاصة سكان القدس الشرقية الذين يكتبون لافتات محالهم التجارية ومؤسساتهم باللغة العربية، إضافة إلى الأقليات في البلدات العربية في أراضي 48، لافتًا أنهم قدموا التماسًا عام 2002، وتم إقرار وضع اللافتات العبرية على الطرق إلى جوار اللافتات العربية في مختلف المدن كحيفا وعكا.
إلى ذلك لفت بدير أنها ليست المعاناة الأولى للأقليات العربية، بل سبقها الكثير من الانتهاكات والاعتداءات على الحقوق، أهمها: إجراءات تسجيل الزواج والعقارات والأوراق الثبوتية، فلا يمكن تسجيلها إلا بعد ترجمتها باللغة العبرية، ناهيك عن رفضهم كتابة أسماء المدن بالعربية، ويقومون بتحويلها إلى العبرية، فعلى سبيل المثال لا الحصر: يكتبون صفد "سفات"، وعكا "عكو"، لافتًا أنه قبل وقت قريب فقط وبعد نضال طويل تم استرجاع اللافتة إلى "عكا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار