السبت، 11 يونيو 2011

تهويد مناهج التعليم بالقدس.. أحدث مخططات طمس الهوية

بقلم محسن هاشم
تسارع دولة الاحتلال الصهيونية منذ احتلالها لمدينة القدس إلى طمس معالمها العربية والإسلامية والتاريخية عبر استصدار جملة من القرارات والقوانين من أجل تهويدها، والقضاء على الوجود الفلسطيني في المدينة.
وتعددت تلك القوانين، منها قانون الولاء، وقانون اعتبار دولة الاحتلال عاصمة لكل يهود العالم، وقانون اعتبار القدس أولوية وطنية، وقانون الاستفتاء، وقانون عبرنة الشوارع المقدسية، وقانون أملاك الغائبين، وغيرها من القوانين.
ضمن أشكال تهويد المدينة المقدسة التي ينتهجها الاحتلال بشكل متواز: تهويد مناهج التعليم للطلبة الفلسطينيين، فعمدت من خلال وزارة المعارف الصهيونية إلى إصدار عدد من القرارات لتحقيق أهدافها لفرض واقع جديد على المدينة، فألغت في العام 1967 البرامج التعليمية الأردنية بشكل نهائي، واستبدلت بها برامج تعليمية أخرى تطبق بالمدارس العربية في الأراضي المحتلة عام 48، وزيادةً في استهداف التعليم، وتهويد عقول الجيل النشء لتحقيق "عبارة الكبار يموتون، والصغار سينسون"، عمدت إلى استمرار تطبيق البرامج التعليمية الصهيونية في الصفوف الابتدائية فقط، بينما اعتمدت مرجعيات متعددة من المناهج الصهيونية والأردنية في الصفوف التعليمية الإعدادية والثانوية، لكنها سرعان ما عزفت عن تطبيق المناهج التعليمية الصهيونية للمرحلة الابتدائية، بعد أن منع الأهالي أبناءهم من الوصول إلى المدارس، وأعادت المناهج الأردنية المطبقة في الضفة الغربية، وأبقت فقط على حصة لتعلم اللغة العبرية لجميع المراحل.
لكنها وبعد أن فرضت قيم الصهيونية والعنصرية على الطلاب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 48، بجملة من القرارات الخاصة بالتعليم العربي هناك؛ كإزالة مصطلح النكبة من كتب التعليم، وفرض النشيد الصهيوني، وتعليم الأعياد، والمحرقة، وإبراز الشخصيات الفاشية القاتلة كأبطال قوميين، تسعى الآن إلى فرض ذات القيم على أبناء القدس في إطار جهودها الرامية إلى محو الهوية الثقافية للمدينة، وتزوير تاريخها، واستهداف الوعي الفلسطيني، وتهويد التعليم فيها، وذلك من خلال قرار بلدية القدس الصادر في السابع من مارس 2011 بإلزام المدارس الحكومية بالتقيد بشراء الكتب المطبوعة من قبل إدارة البلدية، وعدم السماح لهم بشراء الكتب المدرسية المنهجية من مصادر خارجية أخرى.
"القدس أون لاين" في سياق التقرير التالي يرصد واقع التعليم في القدس، ومحاولات التهويد المتتالية التي تتبعها دولة الاحتلال ضده، ويبصر الأثر الذي سيخلفه القرار الأخير على ثقافة الأجيال القادمة، وارتباطها بالحق الفلسطيني في الأرض والوطن والهوية، تابع معنا.
لقد عمدت قوات الاحتلال الصهيوني على امتداد سنوات احتلالها للقدس إلى عدم إغفال أي جانب في تهويد المدينة، وطمس تاريخها ومعالم حضارتها الإسلامية العريقة، وفي كل عام كانت تنتهج ممارسات تجعلها أقرب إلى صبغ المدينة بالطابع اليهودي بداية من اقتلاع المقدسيين من بيوتهم، بحجة البناء غير المرخص، وليس انتهاءً بعزلهم خارج حدود المدينة بجدار العزل العنصري، مرورًا بجملة من القوانين التي تعزز يهودية المدينة على حساب تاريخها وجغرافيتها، وطابعها العربي الإسلامي العريق، ومثَّل التعليم عاملاً مهمًا في تهويد المدينة، وطمس تاريخها، فاستهدفته بشتى الطرق من خلال فرض مناهج تعليمية مزيفة، وإحكام سيطرة الإشراف على المدارس العربية في القدس الشرقية؛ لضمان تعزيز المفاهيم اليهودية، والتاريخ المزور عن المدينة في عقولهم، ما يؤدي إلى اقتناعهم بيهودية المدينة.
تطور مراحل استهداف التعليم
يؤكد الباحث طاهر النمري في دراسة له بعنوان "إضاءات على التعليم الفلسطيني في القدس"، أن دولة الاحتلال سعت في البداية إلى تهويد التعليم عبر القرار 564 لعام 1969، الذي يؤكد على حق وزارة المعارف الصهيونية بالإشراف على التعليم بالمدينة المقدسة وكافة مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية، وبيَّن النمري أن الاحتلال يعتمد على هذا القانون في تبرير كافة القرارات التالية، والتي يهدف منها إلى تهويد جهاز التعليم الفلسطيني، والسيطرة عليه بشكل كامل، وبشيء من التوضيح أشار النمري، في دراسته، إلى مراحل تطور السيطرة الصهيونية على جهاز التعليم الفلسطيني بالقدس، لافتًا إلى أنه وبعد اتفاقية أوسلو وخاصة في حزيران 1997، قامت دولة الاحتلال بفرض برامجها التعليمية على المدارس العربية في القدس، بهدف إنهاء تدخل السلطات الفلسطينية في النظام التربوي، بالإضافة إلى حظر البرامج التعليمية الأردنية في مدارس القدس الشرقية، وإبدالها برامج صهيونية، معقبًا بأن رئيس بلدية القدس وقتها صرح لوكالة "فرانس برس"، أن القرار من أحد القرارات الهامة، ودعا إلى تشكيل لجنة لوضع منهاج للمدارس العربية بالقدس الشرقية يشبه المنهاج المطبق في المدارس العربية بالأراضي المحتلة عام 48، وأشار النمري إلى أن مجابهة المقدسيين والتربية والتعليم الفلسطينية للقرار، وعدم اعترافهم بالقانون الذي تبرر به دولة الاحتلال كافة إجراءاتها بتهويد التعليم، دعا دولة الاحتلال إلى التراجع عن فرض برامجها التعليمية في القدس الشرقية في تاريخ السادس عشر من يونيو لعام 1998، حيث أكدت صحيفة القدس على ذلك، وأوردت أن رئيس الحكومة وقتها، بنيامين نتنياهو، أخذ بعين الاعتبار في التراجع عن القرار تحذيرات الأجهزة الأمنية، التي توقعت حدوث أعمال عنف إذا طبق الاحتلال مشروعه بالسيطرة على جهاز التعليم بالقدس، وأكد النمري على أن رفض القرار من الجانب الفلسطيني كان بسبب إعطاء البرامج التعليمية الصهيونية الجديدة مكانًا طاغيًا للتاريخ اليهودي، بالإضافة إلى إجبار التلاميذ على تعلم اللغة العبرية دون ذكر للتاريخ الفلسطيني، وبيَّن النمري في دراسته أن المناهج الصهيونية التي كانت ستفرض على العرب في القدس الشرقية تشوه الثقافة العربية، لافتًا إلى أن مادة الأدب العربي كانت تُغيب دراسة الشعر العربي المتحدث عن البطولات العربية وعن فلسطين، وتعتمد مواد خاصة من الأدب الصهيوني؛ كقصص وراويات صهيونية عن المحرقة، بينما في مادة التاريخ، وفق ما يشير النمري، يتم تقسيم المنهاج إلى قسمين؛ الأول يتعلق بالتاريخ العربي، ويتم تدريسه برؤية صهيونية من وجهة نظر الكتاب والمؤرخين الصهاينة، والثاني يخصص للتاريخ العبري اليهودي، مؤكدًا أن ذلك يطمس ملامح التاريخ الفلسطيني، ويعزز الفكر اليهودي لدى الأجيال، ويحقق في النهاية انسلاخ الأجيال الناشئة عن تاريخها، خاصة في ظل اعتماد تلك المناهج على تحريف أسماء المدن الفلسطينية من العربية إلى العبرية، لتعلق في أذهان الناشئة العرب، وينسوا مدنهم الأصلية العربية.
طمس الهوية الفلسطينية
ويرى د. خليل حماد، في حديث خاص مع "القدس أون لاين"، أن إقدام دولة الاحتلال على تهويد المناهج الفلسطينية، وفرض تعليم قضايا تاريخية زائفة لأبناء القدس، كما فرضتها على أبناء الأراضي المحتلة عام 48، يأتي ضمن سلسلة الإجراءات الصهيونية لطمس الهوية الفلسطينية، ومحو ملامح الدولة، ونهب مقدرات وثروات الشعب الفلسطيني، وسرقة العقول، وكسر الإرادة الفلسطينية، مؤكدًا على أن المنهاج الذي سيُقدم من قبل الصهاينة سيقلب الحقائق، ويُزيّف التاريخ.
وأضاف د. حماد: إن المنهاج الصهيوني الجديد سيُحاول أن يثبت أن الأرض المقدسة ليست لأصحابها الشرعيين من وجهة نظرهم المغلوطة، وشدد على أن تلك النتائج السلبية ستنعكس على الأجيال الفلسطينية المتعاقبة، لافتًا إلى أنها ستنشأ غير متمسكة بالثوابت والقيم والحقائق الفلسطينية، ولا بالقيم الإسلامية والعادات والتقاليد الفلسطينية، وبيَّن د. حماد أن تأثير تلك المناهج سيتعدى ذلك إلى إلغاء مباحث بأكملها، وتزييف الحقائق، كالتاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية، موضحًا أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في الكتب والمناهج، خاصة تلك التي تتحدث عن الحق في المقاومة والجهاد من أجل استرداد الحقوق ستُلغى، وسيكون هناك منهاج مسخ لا يتناسب مع البيئة الفلسطينية، وصورة مشوهة لمنهاج لا أساس له من الصحة.
وفيما يتعلق بموقف التربية والتعليم من المنهاج الذي تسعى دولة الاحتلال إلى فرضه على أبناء القدس، قال د. حماد: "نحن نرفض البتة التعامل مع هذه المناهج، ولن نسمح بأي حال من الأحوال الالتزام بها في المدارس المقدسية، أو مدارس الأراضي المحتلة عام 48"، وأضاف: "إن الأجيال الفلسطينية ستبقى متمسكة بالحق الفلسطيني في الأرض والهوية والتاريخ العريق والحضارة الإنسانية، مشددًا على أن العبارة التي طالما رددها الاحتلال "بأن الكبار سيموتون، والصغار سينسون" أثبتت خطأً فادحًا، موضحًا أن الواقع الفلسطيني يؤكد على أن الصغار يتمسكون بالحق أكثر مما تمسك به الكبار سالفًا، وأوضح د. حماد أنه في حال فُرض المنهاج، فإن ثورة وانتفاضة جديدة ستندلع في أراضي 48، داعيًا إلى ضرورة التراجع عن هذا القرار، معتبرًا أن تطبيق منهاج من هذا القبيل بمثابة احتلال من نوع آخر أشد ضراوة من الاحتلال العسكري، إذ يسعى لاحتلال العقول، مؤكدًا على أن احتلال العقول من الصعب التخلص منه، بينما الاحتلال العسكري والاقتصادي أثبتت الأيام أنه من السهل التخلص منه، على حد تعبيره.
تهويد القدس عبر التعليم
وكان بيان صادر عن الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين بالقدس وشبكة المنظمات الأهلية- وصل "القدس أون لاين" نسخة عنه- قد أوضح أن القرار الذي أصدرته بلدية القدس يهدف إلى إلزام دائرة المعارف للمدارس المقدسية الخاصة، بشراء الكتب عن طريق إدارة بلدية القدس ودائرة معارفها، مؤكدًا أنها تقوم بحذف أجزاء من الكتب الفلسطينية، باعتبار أنها تحمل قيمًا ومعاني تحريضية، وذلك من أجل العمل على إعاقة التعليم الفلسطيني في القدس، وعدم السماح للمدارس في المدينة المقدسة باتباع البرامج التعليمية الفلسطينية المقررة في الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة
وأشار البيان إلى أن القرار الأخير يأتي استكمالاً لجملة من القرارات والقوانين التي سبق وسنتها وشرعتها دولة الاحتلال للتضييق على الفلسطينيين، والقضاء على الوجود الفلسطيني في المدينة كقانون الولاء، وقانون اعتبار دولة الاحتلال عاصمة لكل يهود العالم، وقانون اعتبار القدس أولوية وطنية، وقانون الاستفتاء، وقانون عبرنة الشوارع المقدسية، وقانون أملاك الغائبين، وغيرها من القوانين، وشدد البيان على أن دولة الاحتلال تسعى حاليًا إلى تهويد القدس من خلال التعليم، مشيرًا إلى أن دولة الاحتلال استهدفت المناهج التعليمية في القدس منذ احتلالها في العام 1967، واستمر بعد توقيع اتفاقية أوسلو، محذرًا من تداعيات تقصير الفلسطينيين، خاصة في ظل عدم وجود رؤى وبرامج تجاه قضية التعليم في القدس، داعيًا إلى ضرورة مجابهة قرار الاحتلال، وعدم اقتصار التصدي على دائرة المعارف الصهيونية، بل العمل على إيجاد رؤى واضحة ومرجعيات محددة وواحدة في التعليم بالقدس، بالإضافة إلى وضع استراتيجية وطنية لدعم التعليم في القدس، والاجتهاد في حل مشاكل تلاميذ القدس، حيث يواجه أكثر من عشرة آلاف تلميذ الانسلاخ عن أطر التعليم، بسبب ممارسات الاحتلال؛ إما بالجدار، أو الهوية، وشدد البيان على ضرورة وضع خطط للتحرك الفعلي القادم لمواجهة مخاطر التعليم، وحمايته من التهويد.
إرساء مفاهيم ومضامين الاحتلال
وشدد الشيخ كمال الخطيب، في حديث خاص مع "القدس أون لاين"، على أن قرار الاحتلال الأخير يسعى إلى مسخ الهوية الفلسطينية، وإرساء مفاهيم الاحتلال ومضامينه، سواء على الأرض أو الإنسان، لافتًا إلى أن حزمة القوانين التي يشرعها الاحتلال من أجل مسخ هوية الشاب الفلسطيني والجيل الفلسطيني تصب في مراحل سعيه الحثيثة، ومخططاته المتوالية لتهويد الأرض والإنسان.
وبيَّن الشيخ الخطيب أن أبرز تلك المخططات قانون "المئة مصطلح"، الذي يلزم الطالب الفلسطيني بدراسة مئة مصطلح بالصهيونية، مقابل منع الطلاب من دراسة قضية النكبة الفلسطينية، بالإضافة إلى قانون إلزام الطالب الفلسطيني بإجراء امتحانات تتضمن مادة عن المحرقة "الهولوكوست
وفي معرض رده على السبيل للتعامل مع تلك القوانين الإلزامية، أكد الشيخ الخطيب أنهم يعتبرون تلك القوانين خطرًا كبيرًا على مفاهيم الأجيال الفلسطينية، داعيًا إلى مجابهتها بالتثقيف الفلسطيني المضاد لتلك الأكاذيب؛ لتكون صمام الأمان، وجهاز مناعة يرفض أن تتسرب إليه المصطلحات الصهيونية، والمضامين التي تسعى إلى تشويه فكره وعقله.
من ناحية أخرى، تطرق الشيخ الخطيب إلى الأهداف البعيدة من قرارات الاحتلال لتهويد التعليم، موضحًا أنها تهدف إلى تشويه مفاهيم النشء الفلسطيني، وإحداث حالة بلبلة وتخبط لديه، بين قناعاته وما يتم تدريسه له في المناهج المدرسية، مؤكدًا أن التاريخ أثبت أن تلك المشاريع فاشلة، وترتد بشكل عكسي على أصحابها، لافتًا أن النهضة العربية والإسلامية التي يشهدها العالم اليوم أكبر دليل على أن تلك الشعوب واجهت مسارات الانحراف الصهيونية عن قيمها وتاريخها الإسلامي والعربي، وأفشلت الجهود التي بذلوها من خلال إصرارهم على العودة إلى الجذور، ونفي ولفظ كل المفاهيم الغربية التي حاولوا تصديرها لنا.
بطلان القرار قانونيًا
وبالتعريج على الحالة القانونية للقرار الصهيوني الأخير، يشير المستشار القانوني لمؤسسة الحق، ناصر الريس، إلى بطلان القرار، معتمدًا في ذلك على وقوع مدينة القدس تحت نير الاحتلال، وأوضح خلال ورشة عمل بعنوان "المناهج التعليمية في القدس بين إجراءات التهويد والاستئصال"، عقدها الملتقى الوطني في المؤتمر الشعبي للقدس، أن بقاء مدينة القدس بعد احتلالها من قبل الصهاينة محكومة بالقواعد الخاصة بحماية الأماكن المقدسة، بحسب القانون الدولي، يجعل أي إجراءات تشريعية أو إدارية تقوم بها دولة الاحتلال، بهدف تغيير واقع المدينة المقدسة باطلة، واعتبرها انتهاكًا لأحكام القانون الدولي، داعيًا إلى ضرورة توحيد الجهود الوطنية نحو القدس بالعموم، وقضايا تهويد التعليم فيها على وجه الخصوص، وعدم اقتصار المجابهة على ردود الأفعال فقط، مؤكدًا أن ذلك يخلق انتهاكًا جديدًا يجب الابتعاد عنه، إلى العمل على تدويل القضية الفلسطينية، وعدم حصرها بالثنائية الفلسطينية الصهيونية. وشدد الريس على ضرورة التحرك على المستوى المحلي والعربي والعالمي لمواجهة مخططات الاحتلال، التي تحرص على طمس ملامح الهوية الفلسطينية في المدينة المقدسة، بإضفاء الصبغة الصهيونية على مناهج التعليم فيها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار