الأربعاء، 29 يونيو 2011

الأمريكيون والإسرائيليون لن يقفوا متفرجين على الحاصل في مصر

بقلم:-محسن هاشم
أن يكون لإسرائيل جاسوس في مصر فذلك ليس خبرًا. الخبر أن يتم القبض عليه، أما الضربة الأمنية الحقيقية فهي أن يتم ضبط بقية الجواسيس الذين يرتعون في أرجاء مصر منذ فتحت أبواب المحروسة لأمثالهم
عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام 1979. وليس ذلك اكتشافًا، ولا هو من قبيل الأوهام، لأن التغير الذي حدث في مصر بوقوع ثورة 25 يناير كان ولا يزال يمثل خبرًا كارثيًا لإسرائيل، ولا يزال يعد كابوسًا لم يفق منه قادتها. وأي متابع لما تنشره الصحف الإسرائيلية من تعقيبات، وما يتسرب من تعليمات لرئيس الوزراء تتعلق بالتعامل مع الأوضاع في مصر، ذلك كله يشير إلى أمرين؛ أولهما: التشاؤم والهلع الذي أصاب النخبة بقيام الثورة، وغياب الرئيس السابق (الكنز الاستراتيجي). الأمر الثاني هو الحذر الشديد من جانب نتنياهو الذي منع الوزراء من التعليق على ما يجري في مصر؛ حفاظًا على «شعرة معاوية» مع نظامها الجديد.
كنت قد نشرت في 22 فبراير الماضي، مقالة تحت عنوان: «ماذا يدبـرون للنظام الجديد؟» قلت فيها ما خلاصته أنه من الطبيعي أن تكون الأحداث في مصر بعد الثورة ـ وقبلها أيضًا ـ محل رصد واهتمام، بوجه أخص من جانب الدوائر الأمريكية والإسرائيلية. ليس محبة في المصريين، ولا إعجابًا بسواد عيون المصريات، ولكن لأنهم يدركون جيدًا أن أي تغيير في مصر لابد أن يكون له صداه القوي في العالم العربي، الأمر الذي يعني الكثير بالنسبة لهؤلاء. لأن العالم العربي يترجم في النظر الغربي إلى عنوانين رئيسين هما النفط وإسرائيل، فضلاً عن أنه سوق لترويج البضائع، وإنعاش تجارة السلاح.
قلت أيضًا: إن الأمريكيين والإسرائيليين لن يقفوا متفرجين على الحاصل في مصر، ولكن من الطبيعي أن يكونوا على صلة مباشرة بالحدث إن لم يصبحوا في قلبه، ومؤثرين على اتجاهاته. إضافة إلى أن ذلك استنتاج منطقي يخطر على بال أي مشتغل بالعمل العام، فقد أعدت التذكير بمحاضرة وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي الأسبق، آفي دختر، التي ألقاها في شهر سبتمبر عام 2008، على الدارسين في معهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني، وفيها تحدث عن الترتيبات الإسرائيلية لمواجهة أي تحولات «كارثية» ـ من وجهة نظرهم ـ يمكن أن تحدث في مصر. وأشار بوجه أخص إلى أمور خمسة هي:
* إقامة شراكة مع القوى والفعاليات المؤثرة والمالكة لكل عناصر القوة والنفوذ، في دوائر الطبقة الحاكمة ورجال الأعمال والنخب الإعلامية والسياسية.
* إقامة شراكة أمنية مع أقوى جهازين لحماية الأمن الداخلي في البلاد، هما جهاز أمن الدولة والمخابرات العامة.
* تأهيل محطات استراتيجية داخل المدن الرئيسية المؤثرة على صنع القرار، متمثلة في: القاهرة ـ الإسكندرية ـ الإسماعيلية ـ السويس ـ بورسعيد.
* الاحتفاظ بقوة تدخل سريع من المارينز (الأمريكيين) في النقاط الحساسة بالقاهرة (جاردن سيتي ـ مصر الجديدة) إضافة إلى الجيزة. وبإمكان تلك القوة الانتشار خلال بضع ساعات، والسيطرة على مراكز عصب الحياة العامة.
* مرابطة قطع بحرية وطائرات أمريكية في قواعد داخل مصر، خصوصًا في الغردقة والسويس ورأس بيناس.
انطلقت هذه الترتيبات كما ذكر الوزير الأسبق من الاقتناع بضرورة تبني استراتيجية استباقية حيال مصر من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل. وكان تقدير واشنطن ـ والكلام للوزير الإسرائيلي ـ أنها يجب أن تقيم في مصر بعد وفاة عبد الناصر مباشرة وتولي السادات، مرتكزات ودعائم أمنية واقتصادية وثقافية على غرار ما فعلته في تركيا بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة.
لست في موقع يسمح لي بأن أتثبت من أن ما خطط له الإسرائيليون والأمريكيون حدث بالفعل كله أو بعضه، لكن الذي لاشك فيه أنه توفر لهم خلال الثلاثين سنة التي أعقبت توقيع اتفاقية السلام، الوقت الكافي والظرف المواتي لتحقيق ما يريدون، وعند الحد الأدنى فلابد أنهم حاولوا على الأقل زرع وتجنيد شبكة من المتعاونين الذين يمدونهم بما يمكنهم من تثبيت أقدامهم، بما لا يسمح لمصر بأن تتراجع عما تورطت فيه، منذ وقعت معها معاهدة السلام. ولا يستقيم عقلاً أن ينحصر الجهد الإسرائيلي في الجاسوس الذي ألقي القبض عليه أخيرًا (إيلان تشايم جرابيل)، أو غيره ممن ألقي القبض عليهم في ثلاث قضايا تخابر أخرى خلال الأشهر الأربعة الماضية. إذ يظل هؤلاء مجرد نقطة في بحر إذا وضعنا في الاعتبار الأهمية القصوى التي توليها إسرائيل لعلاقتها مع مصر، وخوفها من تنامي الوطنية المصرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار