الاثنين، 20 يونيو 2011

عسكريون صهاينة: يمكن الدفاع عن "إسرائيل" دون الضفة

بقلم محسن هاشم
الحكومة الإسرائيلية مصابة بالهستيريا".. "حدود الـ67 أسطورة غير واقعية".. "يمكن الدفاع عن حدود إسرائيل دون الضفة الغربية".. هذه العبارات ليست لمراقبين عرب، أو حتى كُتَّاب صحفيين صهاينة؛ وإنما هي خلاصة آراء اثنين من أهم المحللين الاستراتيجيين الإسرائيليين ممن عملوا في الجيش الإسرائيلي لسنوات طويلة.
فلقد نشرت صحيفة الـ"يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، على موقعها الإلكتروني على شبكة الإنترنت، مقالاً تحليليًا بقلمي: آفي ييسافيتش ونيسمان دانيال، وكلاهما عرفته الصحيفة على أنه من المحللين المستقلين، وضباط احتياط حاليين في الجيش الإسرائيلي، ولهما الكثير من المشاركات المكتوبة على موقع أصدقاء جيش الدفاع الإسرائيلي الإلكتروني.
ويبدأ المقال بعبارة لافتة؛ حيث وصفا تمسك الحكومة الإسرائيلية الحالية بمبدأ عدم الانسحاب إلى حدود العام 1967م، بأنه "هيستريا لا سبب ولا أساس لها من الصحة"، وأن الجيش الإسرائيلي "يمكنه الدفاع عن إسرائيل من دون الضفة الغربية".
ويوضح المقال سبب طرحه هذا، أن الأفراد الذين يدعون بقدسية حدود عام 1967م، وأنه لا يمكن الدفاع عن إسرائيل بدونها "يتجاهلون النقلة النوعية الشاملة للصراع العربي الإسرائيلي، والتي حدثت على مدى العقد الماضي".
وتقول الصحيفة: إن سبب نشر المقال هو الضجة الرسمية التي ثارت من جانب إسرائيل على خطاب الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، حول سياسة بلاده الجديدة في الشرق الأوسط، الذي ألقاه يوم التاسع عشر من مايو الماضي، ودعا فيه إلى اعتماد حدود الـ67 كأساس للتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع إمكانية تبادل للأراضي.
ولقد أدت هذه الضجة التي رافقتها اعتراضات من جانب اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، إلى أن يعود أوباما عن مواقفه هذه خلال خطابه أمام مؤتمر الـ"AIPAC" الأخير المنعقد في العاصمة الأمريكية واشنطن، ودعا إلى حلول تقوم على أساس مراعاة الواقع السكاني على الأرض، في إشارة إلى الاستيطان.
ويتساءل كاتبا المقال: "هل للقلق بشأن العودة إلى حدود 1967 ما يبرره؟!"، ويجيبان بأنه مؤخرًا، قام عدد كبير من السياسيين وخبراء الأمن والمسؤولون السابقون في وزارة الدفاع الإسرائيلية السابق، وكذلك معلمو الاستخبارات بتقديم العديد من التقديرات التي تشير إلى عدم فاعلية الحجة الأمنية لتبرير مسألة عدم الانسحاب إلى حدود الـ67".
وينقل المقال عن المؤرخ العسكري والاستراتيجي الإسرائيلي البارز، مارتن فان كريفالد، قوله في هذا الشأن: "من الواضح تمامًا أن "إسرائيل" تستطيع بسهولة أن تتخلى عن الضفة الغربية، إن هذا الأمر ممكن الحدوث من الناحية الاستراتيجية، ولا يوجد خطأ يُذكر جراء ذلك".
وكانت مجموعة من كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين الإسرائيليين السابقين قد قاموا في الرابع عشر من إبريل الماضي، بتقديم مشروع لمبادرة للسلام مع الفلسطينيين، دعوا فيها إلى إجراء مفاوضات مع الفلسطينيين على أساس حدود 1967، وتبادل طفيف للأراضي.
ويقول المقال: إنه من الصعب القول: إن هؤلاء الأشخاص مخطؤون؛ حيث إنهم على دراية كافية وثيقة بالأوضاع الأمنية المعقدة والوضع السياسي على أرض الواقع، ولم يروا أن خطوة كهذه من شأنها الإضرار بأمن إسرائيل بشكل خطير.
ويذهب جيرشون باسكين، مدير مركز إسرائيل/ فلسطين للبحوث والمعلومات، إلى ذات الرأي؛ حيث إنه، ومن خلال تجربته مع عشرات من المسؤولين العسكريين وضباط حلف شمال الأطلنطي "الناتو"، وجنرالات الجيش، وخبراء الاستخبارات في الموساد والشين بيت؛ فإنه يؤكد على أن السلام الشامل والنهائي، بما يشمله ذلك من انسحاب من الضفة الغربية، هو أكثر الأشياء ضمانة لأمن ووجود إسرائيل.
حقائق مُتغيرة
وتعتبر حدود الـ67 أساسًا للمفاوضات منذ عملية كامب ديفيد مع مصر في أواخر السبعينيات، وكل المحللين السياسيين تقريبًا الذين ينظرون إلى هذا الأمر من منظور موضوعي يُدركون أن دولة فلسطينية قابلة للحياة لا يمكن تحقيقها إلا في إطار هذه الحدود.
ويدحض كاتبا المقال مقولة أن حدود 1967م تضمن الأمن لإسرائيل، من خلال الاحتفاظ بحدود آمنة بعيدة عن قلب الأرض الإسرائيلية، بما يرتبط به ذلك في صدد مسألة ضرورة شن إسرائيل لحروب استباقية ضد الجيوش العربية؛ حيث إن حرب رمضان/ أكتوبر 1973م أثبتت خطأ هذا التقدير.
يضاف إلى ذلك أن الوضع السياسي والعسكري في المنطقة قد تغير بشكل كبير منذ عام 1973م؛ حيث تحولت المواجهات بين إسرائيل والعرب إلى مواجهات مع كيانات دولية وجيوش تقليدية كبيرة، إلى مواجهات مع تنظيمات مسلحة تستخدم أساليب حرب العصابات مع الاحتفاظ بقوات برية صغيرة، وترسانات صواريخ واسعة النطاق، كذلك فإنه حتى في حالة العداء الحالي مع إيران وسوريا؛ فإن التهديد لا يأتي عن طريق غزو بري؛ وإنما من خلال الصواريخ التي تحمل رؤوسًا كيماوية وغير تقليدية.
إلا أن المحللين الإسرائيليين يقولان: إنه بالرغم من ذلك؛ فإن إسرائيل تجد نفسها في بعض الأحيان مضطرة إلى العودة إلى استراتيجية الحرب الوقائية، كما حدث في العام 2006م، ضد حزب الله في لبنان، وفي العام 2008/2009م ضد حماس في قطاع غزة، وكما هو مرجح بحسب المقال، أن يكون ضد إيران أيضًا مستقبلاً.
وينفي الكاتبان ما تروجه بعض الأطراف الإسرائيلية التي تعترض على مبدأ الانسحاب، لتبرير عدم الانسحاب، مثل أن الانسحاب من الضفة سوف يؤدي إلى المزيد من الانتشار "للإرهاب"، ويضيف الكاتبان قائلَيْن: "ولكن.. هذه الحجج سليمة؟!.. بعد كل شيء، سيظل حزب الله كما هو يمتلك بالفعل صواريخ يمكن أن تصل إلى جنوب إسرائيل، في حين يمكن لحماس أن تستهدف تل أبيب بترسانتها الصاروخية".
أما بالنسبة للحجة الخاصة بـ"الإرهاب"، يضيف الكاتبان؛ فإن الحواجز الأمنية التي سوف يقيمها الجيش الإسرائيلي على الجانب الآخر من الحدود في مواقعه الجديدة، سوف تلعب ذات الدور الذي تلعبه حاليًا في الضفة الغربية.
ويضيف الكاتبان: "لقد حصل الجيش الإسرائيلي على خبرة في مجال الحد من عمليات الإرهابيين بدرجة مذهلة من النجاح والدقة، ومن هنا، ونحن نرغب في حشد جميع الضمانات اللازمة لوجود دولة إسرائيل وحمايتها؛ فإننا يجب أن نكون أكثر ثقةً في قدراتنا الدفاعية".
وينتقد المقال في الإطار، ما وصفه بـ"تكيف أعدائنا المبدع مع ساحة المعركة في العصر الحديث؛ حيث أصبحت الأرض، ومن المفارقات، أحد أقل العوامل إضافة للقوة الاستراتيجية لطرف على حساب طرف آخر، في مقابل تمسك إسرائيل بالأفكار القديمة في هذا المجال، مع إصرارها على الاحتفاظ بالضفة الغربية، والتي تحولت إلى السلاح الرئيسي ضدنا في حرب نزع الشرعية، بترسانتها من الأسلحة القانونية والسياسية والاقتصادية والمعنوية، والتي تعتبر أقوى من كل ما هو مخزون في الوقت الحالي في غزة أو في لبنان".
ويختم المقال بالقول: "إن الإسرائيليين بحاجة إلى استقراء الواقع القائم بصورة أفضل، والإجابة عن أسئلة مهمة، مثل هل عزز احتفاظ إسرائيل بالضفة من قدرتها على مواجهة المخاطر الوجودية، وهل يساوي احتفاظ إسرائيل بمستوطنات الضفة، مثل كريات أربع ضمن ما يعرف بـ"الأراضي الاستراتيجية"، الثمن الذي تدفعه إسرائيل من شرعيتها، أو من دعوات المقاطعة المستمرة لها؟!.. لقد حان الوقت لتغيير منظومتنا الفكرية بأكملها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار