الأربعاء، 8 يونيو 2011

قضية القدس دراسة تاريخية

بقلم محسن هاشم
يلقي هذا الكتاب الضوء على فترة من أهم فترات الصراع العربي- الصهيوني، وهي الفترة بين 1947 وحتى 1967، الفترة التي شهدت بداية سقوط كل من فلسطين ومدينة القدس في أيدي الصهاينة، وذلك من خلال الوثائق العربية والدولية والبريطانية والأمريكية، ويحاول الكتاب الإجابة على العديد من الأسئلة العديدة في تلك الفترة متتبعًا التطور التاريخي لقضية مدينة القدس.
والكتاب يشتمل على تمهيد وأربعة فصول:
التمهيد: يعرض فيه لأهمية القدس وموقعها الجغرافي، ويوضح الحملة التي كانت تستهدف تقسيم المدينة، وما تبعها من ثورات ضد التقسيم، كما يشرح التطور الاجتماعي والاقتصادي لمدينة القدس
الفصل الأول: قضية القدس أمام الأمم المتحدة وقرارها بالتقسيم، وردود الأفعال المترتبة عليه عربيًا ودوليًا.
الفصل الثاني: آثارنكبة 48، كما يعرض الفصل لأشكال الإرهاب الصهيوني للسيطرة على مدينة القدس.
الفصل الثالث: قضية القدس في لجنة التوفيق الدولية وما ترتب عليها من قرارات.
الفصل الرابع: التطورات التي حدثت للقضية منذ عام 1952 حتى هزيمة حرب 1967.
تمهـيــد:
يستعرض الكتاب أهمية مدينة القدس ومكانتها الإسلامية، فهي ثالث الحرمين الشريفين ومسرح النبوات، وهي تعد قلب القضية الفلسطينية برمتها؛ لأنها بؤرة الصراع العربي-الإسرائيلي.
ويؤكد على أن موقع المدينة المقدس نقطة مرور لكثير من الطرق التجارية، حيث إنها تقع في قلب فلسطين والعالم الإسلامي، وبذلك أصبحت نقطة اتصال مع المناطق المجاورة، وتعتبر المدينة مركزًا إشعاعيًا روحانيًا لاجتماع الديانات الثلاث، مما يؤكد أهمية المدينةً سياسيًا وتجاريًا وعسكريًا ودينيًا.
ويوضح المؤلف تاريخ بناء القدس على يد أحد ملوك اليبوسيين سنة ( 3000 ق.م )، وكانت النشأة الأولى لمدينة القدس على (تل أوفيل)، ويعمد الكتاب إلى عصور توسعة المدينة وإعمارها وترسيم حدودها، وما بالمدينة من جبال وأسواق ومساجد، وعلى رأسها المسجد الأقصى، ومسجد قبة الصخرة، كما يستعرض الكتاب الكنائس والأديرة ومقابر ومكتبات ومتاحف المدينة المقدسة.
ويكشف الكتاب عن فترة تاريخية هامة من عمر المدينة، وهي فترة الانتداب البريطاني الذي امتد من 1917 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وما تبعها من اتفاقية تقسيم الممتلكات العثمانية، والتي عرفت باسم "سايكس بيكو"، ومنذ تلك اللحظة أصبحت فلسطين تحت الانتداب البريطاني حتى عام 1947، ويكشف المؤلف عن حجم المؤامرة التي قامت بها بريطانيا على القدس وفلسطين، من خلال الأحداث التي أعقبت الانتداب، وكان أهمها "تصريح بلفور"، والذي يقضي ببذل بريطانيا الجهد لتحقيق قيام الدولة اليهودية، الوعد الذي سماه العرب عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.
ثم يوضح الكتاب كيف أسهمت عصبة الأمم في قيام الكيان الصهيوني بإقرارها على صك الانتداب البريطاني على فلسطين، وجاء صك الانتداب متضمنًا 28 مادة معظمها لصالح إقامة وطن قومي لليهود، وفي المقدمة نص تصريح بلفور، متجاهلاً بذلك حق الشعوب في تقرير مصيرها.
كما يشرح الكتاب نضال الشعب الفلسطيني وانتفاضة القدس ويافا عام 1921؛ اعتراضًا على سياسة بريطانيا التي تسمح لليهود بسرقة أراضيهم، مستخدمين عصابات الهجانة وغيرها من العصابات المسلحة تحت سمع وبصر الانتداب، لكن قوبلت المقاومة بالقمع والتنكيل البريطاني، ثم في خضم تلك الأحداث أصدرت بريطانيا الكتاب الأبيض عام 1930، وأوضحت فيه واجباتها كدولة منتدبة، والخطة السياسية التي تنوي اتباعها في فلسطين وفق صك الانتداب، والذي أوصى بمنح فلسطين حكمًا ذاتيًا، وما تبع صدور الكتاب من لجان
الفصل الأول:
يتحدث الكتاب في هذا الفصل عن دخول قضية استقلال فلسطين في أروقة هيئة الأمم المتحدة، والتي بدورها شكلت لجنة تحقيق دولية في أواخر إبريل عام 1947، عرفت باسم انسكوب (unscop)، والتي اقترحت أن تقوم في فلسطين بعد انتهاء الانتداب دولتان عربية ويهودية، مع بقاء القدس بأماكنها المقدسة مفتوحة لكل الديانات الثلاث، مع إيجاد مواقف لتسوية الخلافات الدينية، وكان الاقتراح الثاني بإقامة دولة اتحادية بحكومتين، وتكون القدس عاصمة الدولة الاتحادية، وتقسم المدينة لقطاع عربي وآخر يهودي، وجاء التصويت على تقسيم فلسطين إلى دولتين في نوفمبر عام 1947، على أن تكون القدس كيانًا منفصلاً تديره الأمم المتحدة، من خلال مجلس وصاية يقوم بأعمال السلطة الإدارية.
ثم يتعرض الكتاب لردود الأفعال العربية الغاضبة ضد قرار إعلان التقسيم، وعمت المظاهرات أرجاء المدن الفلسطينية والعربية، وتحركت الدبلوماسية المصرية لكنها لم تؤت ثمارها، وصدر القرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة دون أي سند قانوني، فالجمعية لا تملك التصرف بدون ضابط في شئون الإقاليم القابعة تحت الانتداب، خصوصًا وأنه لا يوجد في ميثاق الأمم المتحدة ما يخول الجمعية العامة أو أي هيئة رئيسية أخرى في المنظمة الدولية تقسيم إقليم محدد دوليًا خلافًا لرغبة سكانه.
الفصل الثاني:
يتحدث الكتاب في ذلك الفصل عن نكبة 48 التي منيت بها الجيوش العربية علي يد الجيش الإسرائيلي، عقب إعلان دولة "إسرائيل" انتهاء الانتداب البريطاني عليها في 14 مايو سنة 1948، ودخول الجيش النظامي العربي في اليوم التالي.
ويشرح المؤلف كيف كان تشتت الجيوش العربية وعدم استعدادها، حتى إن قادة المعارك لم يطلعوا على الحرب إلا قبلها بأيام، وكانت الجيوش مفتقدة للقيادة الموحدة والتسلح الجيد والمعلومات الجيدة عن العدو، وحتى العدد، فيذكر أن عدد الجيوش الصهيونية كانت 4.5 أضعاف الجيوش العربية النظامية.
ويوضح الآثار المترتبة من الهزيمة على مدينة القدس، حيث تمت السيطرة العسكرية على الضواحي والأحياء المقدسية، وغيروا معالمها الحضارية والتاريخية، عن طريق اعتبار المناطق العربية التي كانت قبل 48، يطبق عليها القانون الإسرائيلي وإعلان القدس عاصمة "إسرائيل"، وإقامة منشآت إسرائيلية فوق مبان عربية، وإصدار تشريعات لمصادرة الأراضي العربية.
وعقب الحرب توالت ردود الأفعال العربية تأثرًا بالهزيمة، فانفجرت قطاعات الرأي العام الغاضبة، وانشقاقات سياسية داخل الدول العربية.
الفصل الثالث:
وينطوى هذا الفصل على المحاولات الدولية لإيجاد حلول للقضية الفلسطينية وخاصة القدس وذلك عقب قرار التقسيم، ولكن يعرض الكتاب تحيز القوى الكبرى الكامل لـ"إسرائيل"، مما دعمها في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وضم القدس، ويعرض الكتاب للجان أنشأتها الأمم المتحدة لهذا الشأن، ولكن لم تحرز اللجان نجاحات تذكر جراء التعنت الإسرائيلي، لكن حققت المؤسسة الإسرائيلية نصرًا بقبولها عضوًا في الأمم المتحدة.
ومن تلك اللجان التي أنشأتها الأمم المتحدة، تفويض الجمعية العامة وسيطًا تابعًا للأمم المتحدة في 14 /5/1948 لتأمين الخدمات للفلسطينيين، والحفاظ على المقدسات، وإيجاد وسيلة لتسوية النزاع، وقامت اللجنة بتسمية الكونت فولك رنادوت وسيطًا للأمم المتحدة، وتضمن تقرير برنادوت أن عرب فلسطين لم يغادروا ديارهم ويهجروها طوعًا، بل نتيجة لأعمال العنف والإرهاب التي قامت بها السلطات الإسرائيلية ضد العرب الآمنين، وانتهى تقريره بأن قضية فلسطين لا يمكن حلها إلا إذا أتيح لللاجئين حق العودة، لكن قامت المؤسسة الإسرائيلية باغتيال برنادوت، وشكلت بالفعل لجنة لبحث الاقتراحات التي قدمها الكونت برنادوت لإحصاء أملاك اللاجئين، لكن اللجنة لم تستطع إنجاز عملها بسبب موقف "إسرائيل" السلبي منها.
الفصل الرابع:
يتحدث الكتاب في هذا الفصل حول الفترة بين 1952 حتى 1967، حيث اتخذت المؤسسة الإسرائيلية من قرار التقسيم والهدنة التي عقدتها "إسرائيل" مع الأردن غطاءً لتوسيع حدودها في القدس، بل وأقدمت على نقل سفارتها إلى القدس، وما تبعه من احتجاجات عربية على تلك الخطوة.
ويكشف الكتاب عن التطورات الكبيرة التي حدثت جراء الاحتقان الشديد لدى الشعوب، والإحساس بضياع حقوقهم، ما أدى إلى تصاعد المقاومة، والتي قابلتها العسكرية الإسرائيلية بالمذابح، ثم نشأت حركة فتح كحركة وطنية لتحرير فلسطين، وككيان رسمي معتمد من الحكومات العربية يسهل التحكم فيه.
ثم يبين الكاتب منعطفًا صعبًا من مراحل القضية، وهي حرب 1967 التي ظنتها الشعوب حرب الخلاص وتحرير فلسطين، ولكن بذهول شديد انهزم العرب في ستة أيام فقط، وحلت كارثة مدوية على العرب، وهي احتلال "إسرائيل" باقي فلسطين ودخولهم القدس وتشريد آلاف السكان، وتتابعت بعدها عمليات تهويد القدس القديمة، والاعتداء على المسجد الأقصى، مما جعل المؤلف يقرر أن الهزيمة سببت ردة كبيرة للقضية الفلسطينية، كان أبرز وجوهها أن الأنظمة العربية ومنظمة فتح أصبحوا ينادون بتحرير أراضي67، أي 23% من مساحة فلسطين، ولديهم استعداد ضمني بالتنازل عن الأراضي المحتلة عام 1948، والتي قامت تلك الحروب من أجل تحريرها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

دفتر الزوار